التوحيد > تتمة مبادئ علم التوحيد
تتمة مبادئ علم التوحيد

لازلنا في تفصيل المبادئ العشرة لعلم التّوحيد، والمبادئ العشرة هي البطاقة الشّخصيّة لأي علمٍ من العلوم، هي الهُويّة الّتي تُعرف بها حقيقة هذا العلم، وأبعاده وحدوده، وهي الّتي أجملها شهاب الدّين أبو العبّاس المقريّ في منظومته الجليلة: ( إضاءة الدُّجنّة في عقائد أهل السّنّة ) فقال رحمة الله عليه:
مـنْ رَامَ فنّــاً فاليُقــدِّمْ أوّلا * عِلمـاً بحـدِهِ وموضـوعٍ تَـلا
وواضـعٍ ونسبـةٍ ومـا استمـدْ * مِنْـهُ وفضْلِـهِ وحُكـمٍ يُعْتَمــدْ
واسـمٍ ومـا أفـادَ والمَسـائـلْ * فتلـكَ عَشـرٌ لِلْمُنـى وسـائـلْ
وبعضهمْ فيها على البعضِ اقتصرْ * ومَنْ يَكُنْ يدريْ جميعَها انْتَصَـرْ

الدرس الخامس: ( تتمة مبادئ علم التوحيد ):
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللّهمّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللّهمّ لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعد، ربّنا لك الحمد حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، لك الحمد حتّى ترضى ولك الحمد بعد أن ترضى، اللّهمّ تبرّأنا إليك من أنفسنا ولجأنا إليك، لا توجّه قلوبنا إلاّ إليك، ولا تجعل اعتمادنا إلاّ عليك، ولا تجعل رجاءنا إلاّ فيك، ولا تجعل خوفنا إلاّ منك، ولا تجعل ثقتنا إلاّ بك، ولا تجعل أنسنا إلاّ بك، ولا تجعل حبّنا إلاّ لك يا ربّ العالمين، اللّهمّ إنّا نسألك حبّك، وحبّ من يحبّك، وحبّ العمل الّذي يقرّبنا إلى حبّك. اللّهمّ تبرّأنا إليك من حولنا وعلمنا وقوتنا، ولجأنا إلى حولك وعلمك وقوتك، فإنّك أنت القويّ ونحن الضّعفاء، وإنّك أنت القدير ونحن العاجزون، وإنّك أنت العزيز ونحن الأذلاّء، وإنّك أنت العليم ونحن الجاهلون، وإنّك أنت علاّم الغيوب. ربّنا لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى غيرك طرفة عينٍ ولا أقلّ من ذلك، وأصلح لنا شأننا كلّه في الدّين والدّنيا والآخرة. اللّهمّ ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر، والطفْ بنا فيما جرت به المقادير. اللّهمّ اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيّامنا يوم نلقاك. اللّهمّ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفّنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا. اللّهمّ بفيضك العميم عمّنا، واكفنا اللّهمّ شرّ ما أهمّنا وأغمّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسّنّة جمعاً توفّنا، نلقاك اللّهمّ وأنت راضٍ عنا…، اللّهمّ صلِّ على سيّدنا محمّدٍ الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والنّاصر الحقّ بالحقّ، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيرا، والحمد لله ربّ العالمين.
لازلنا في تفصيل المبادئ العشرة لعلم التّوحيد، والمبادئ العشرة هي البطاقة الشّخصيّة لأي علمٍ من العلوم، هي الهُويّة الّتي تُعرف بها حقيقة هذا العلم، وأبعاده وحدوده، وهي الّتي أجملها شهاب الدّين أبو العبّاس المقريّ في منظومته الجليلة: ( إضاءة الدُّجنّة في عقائد أهل السّنّة ) فقال رحمة الله عليه:
مـنْ رَامَ فنّــاً فاليُقــدِّمْ أوّلا * عِلمـاً بحـدِهِ وموضـوعٍ تَـلا
وواضـعٍ ونسبـةٍ ومـا استمـدْ * مِنْـهُ وفضْلِـهِ وحُكـمٍ يُعْتَمــدْ
واسـمٍ ومـا أفـادَ والمَسـائـلْ * فتلـكَ عَشـرٌ لِلْمُنـى وسـائـلْ
وبعضهمْ فيها على البعضِ اقتصرْ * ومَنْ يَكُنْ يدريْ جميعَها انْتَصَـرْ
فبيّنا أوّلاً حدّ هذا العلم، أي تعريفه وحقيقته، وبيّنا ثانياً موضوعه، أي الشّيء الّذي يتكلّم عنه، ألا وهو ذات الله وصفاته وأفعاله، ما يجب لله وما يستحيل عليه وما يجوز له، وما يجب للأنبياء والرّسل وما يجوز وما يستحيل، وأحوال المعاد وسائر الممكنات، ثمّ بيّنا واضعه ألا وهم أئمّة الأشاعرة والماتُريديّة، ثمّ بيّنا أسماءه، والتّدرج التّأريخي لتسمية هذا العلم؛ حيث كان يسمّى علم الفقه في الدّين، ثمّ سُمّي علم الكلام، وجمع مع هذين أسماءً أُخر؛ فهو علم أصول الدّين، وهو علم التّوحيد، وهو علم العقائد، ووصلنا في الكلام إلى:
حكم هذا العلم ( حكم تعلّمه والإلمام به، وبالتّالي حكم تعليمه ): هذا العلم علمٌ اُختلف فيه اختلافاً شديداً، لأنّه استمدّ من العقل، واستمدّ من الفلاسفة، واستمدّ من المناطقة، فرأينا من المسلمين أقواماً حرّموا تعلّم هذا العلم، وأقواماً كرهوا تعلّم هذا العلم، ورأوا أنّ المسلم غير مطالبٍ بأن يتعرّف على أصول التّفكير الفلسفيّ، بل هو مطالبٌ بالقرآن والسّنّة فقط، والصّواب أنّ تعلم هذا العلم: واجبٌ ضمن الحدود المشروطة، فهو واجبٌ وجوباً عينيّاً على أقوام، وواجبٌ وجوباً كفائيّاً على أقوامٍ آخرين، أمّا الوجوب الكفائيّ فمعناه: أنّه يجب على أمَّةٍ من النّاس ( جماعة من المسلمين ) أن يقوموا به، فإذا قاموا به سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحدٌ أثموا جميعاً، فإن قامت به طائفة وسقط الإثم عن الباقين بقي حكمه في حق الباقين سنّة، وأمّا الوجوب العيني فيعني: وجوبه على كلّ إنسان مسلمٍ بعينه، فمن تركه أثم وإن قام به النّاس كلّهم دونه.
تعلّم علم التّوحيد واجبٌ وجوباً عينياً ووجوباً كفائيّاً، فمن الّذي يجب عليهم تعلّم علم التّوحيد وجوباً عينيّاً؟ ثمّ ما الّذي يجب عليهم ذلك؟
قال: المسلمون كلّهم يجب عليهم تعلّم علم التّوحيد ( تعلّم مسائله ) مع دليلٍ إجماليّ لكلّ مسألة.
وأمّا الوجوب الكفائيّ الّذي يجب على جماعة من النّاس: فهو تعلّم مسائل علم التّوحيد بالأدلّة التّفصيليّة.
إذاً الوجوب العينيّ على كلّ مسلمٍ مكلّف: هو تعرّف مسائل علم التّوحيد بالأدلّة الإجماليّة. وأمّا الوجوب الكفائيّ: فهو تعرّف مسائل علم التّوحيد بالأدلّة التّفصيليّة، فما هو الدّليل الإجماليّ؟ وما هو الدّليل التّفصيليّ؟
الدّليل التّفصيلي: هو الدّليل المقدور على حلّ شبهه، والمقدور على تقرير وجه الدّليل فيه.
وأما الدّليل الإجمالي فهو: ما لا يعرف تقرير الدّليل فيه، ولا يقدر على حلّ شبهه، فعلى سبيل المثال: إذا سُئل المسلم ما الدّليل على وجود الله؟ ( ويراد بذلك الدّليل العقليّ ) فإنّه يقول: هذا العالم، هذا العالم دليلٌ على وجود الله. فهذا أعطى دليلاً ولكنّه دليلٌ إجماليّ، فلا هو قرّر وجه الاستدلال بهذا الدّليل، ولا هو حلّ الشّبه الّتي ستطرح عليه، هذا هو المطلوب من كلّ مسلمٍ في كلّ مسائل علم التّوحيد، أمّا الوجوب الكفائيّ الّذي يجب على جماعةٍ من المسلمين فيقتضي أن يقول: الدّليل على وجود الله تعالى هذا العالم من حيث إمكانُه أو من حيث وجودُه، لأنَّ الاستدلال بالمَوْجُودِ على المُوْجِدِ يكون من جهتين: من جهة الإمكان، ومن جهة الوجود. فيُقال: إنّ هذا العالم مُمكن، أي ليس واجب الوجود، إنّما هو مُمكن الوجود، ومعنى هذا أنّه يمكن أن يوجد ويمكن ألاّ يوجد، فوجوده ليس واجباً بالعقل فهو مُمكن، ولِكلّ مُمكن مُحدِث، الله تعالى واجب الوجود إذاً لا مُحدِث له: قديم، وأمّا هذا العالم فهو مُمكن الوجود، إذاً لا بدّ له من مُحدِث وهذا المُحدِث هو الله، وأمّا من جهة الحدوث فنقول: هذا العالم حادث: موجود، ولا بدّ لكلّ حادثٍ من مُحدِث، وهذا المُحدِث هو الله تعالى. هنا قرّرنا الدّليل، سوف يطرح لنا أصحاب الضّلال والهوى، سوف يطرح لنا الملحدون والكفرة شبهاتٍ حول هذا الدّليل، فإذا استطعنا أن نحلّ هذه الشّبهات بعد أن استطعنا أن نقرّر الدّليل أوّلاً، كان دليلنا دليلاً تفصيليّاً، أمّا إذا لم نستطع أن نقرّر الدّليل، أو استطعنا أن نقرّر الدّليل ولم نستطع حلّ شبهاته، فدليلنا إذاً دليلٌ إجماليٌّ وليس دليلاً تفصيليّاً، يجب على كلّ مسلمٍ مكلّفٍ معرفة مسائل علم التّوحيد ولو بأدلّة إجماليّة، ويجب على فئةٍ من المسلمين معرفة مسائل علم التّوحيد بالأدلّة التّفصيليّة، إذاً يجب، وهذا الوجوب مستمدٌ من قول الله سبحانه: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ } ، والأمر هنا يفيد الوجوب، والعلم يقتضي العلم بكلّ صفات الله تعالى، وهذا يقتضي العلم بالواجبات والجائزات والمستحيلات [ الإيمان أن تؤمن بالله ] هذا أوّلاً، ويتبع الإيمان بالله الإيمان بالرّسل، والإيمان بالسّمعيات الغيبيات كالملائكة والكتب واليوم الآخر [ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ] إذاً هذا واجبٌ على كلّ مكلّف؛ فمن هو المكلّف؟
المكلّف: هو من توافرت فيه شروط التّكليف من البشر؛ وشروط التّكليف أربعةٌ اُستمدت من الكتاب والسّنّة، وليس فيها ابتداع أو اختراع إنّما ثبتت جميعها في الكتاب والسّنّة، وقبلها العقل السّليم:
• الشّرط الأوّل: العقل.
• الشّرط الثّاني: البلوغ.
• والشّرط الثّالث: بلوغ الدّعوة.
• والشّرط الرّابع: سلامة الحواسّ.
العقل: هو أوّل شروط التّكليف، فالمجنون غير مكلّف، العقل مناط التّكليف كما يقال، وبقدر العقل يكون التّكليف، فالعقل مثله مثل المال؛ فالّذي يملك مالاً كثيراً يحاسب عليه حساباً شديداً، والّذي يملك المال القليل يحاسب الحساب اليسير، والّذي لا مال عنده لا حساب عليه في الأمور الماليّة [ لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ] كما قال المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: [ اطَّلعت على النّار فرأيت أكثر أهلها النّساء، واطَّلعت على الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأصحاب الجدّ محبوسون، غير أنّ أهل النّار قد أُمر بهم إلى النّار ] [ واطّلعت على الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأصحاب الجدّ محبوسون ] أي أصحاب المال وأصحاب الغنى لا يزالون في أرض الحساب، يحاسبون على كلّ مالٍ اكتسبوه من أين اكتسبوه وفيما أنفقوه، وهذا يعني أنّه كلّما ازداد المال ازداد الحساب، والعقل وإن كان ظاهره فضلاً وتشريفاً، فإنّ حقيقته كُلفةٌ يتحمّل المرء مسؤوليّتها، وكلّ تشريفٍ في الشّرع تكليف، التّشريف والتّكليف متلازمان، كما أنّ كلّ تكليفٍ تشريف، فإن كلّ تشريفٍ تكليف، فإذا قلنا: إنّ فلاناً إنسانٌ أعقل من غيره، فهذا فضلٌ له وهذا تميزٌ عن سواه، ولكنّ هذا يرتِّب عليه زيادةً في الحساب يوم القيامة، فالله لن يحاسب العباقرة كما يحاسب الأغبياء، لأنّهم تفاوتوا في العقول، من باب أولى أنّ من فقد العقل بالمرّة سقط عنه الحساب بالمرّة، فالعقل مناط التّكليف، فالمجنون لا تكليف عليه إذا قضى حياته كلّها مجنوناً، أو إذا جنّ قبل البلوغ واستمرّ جنونه إلى أن مات، أمّا إن مرّ به مرحلةٌ من العقل بعد البلوغ ثمّ جُنّ واستمرّ جنونه إلى أن مات فالعبرة بآخر حالات عقله، أي إن كان عاقلاً مؤمناً، ثمّ جُنّ وأثناء جنونه كفر، ثمّ مات وهو مجنونٌ كافر، فعلى أيّ أساس يحاسب؟ يحاسب على أنّه مؤمن ويدخل الجنّة، وبالمقابل إذا كان عاقلاً كافراً ثمّ جُنّ على هذه الحال، وأثناء جنونه آمن ومات وهو مجنونٌ مؤمن، فهو كافرٌ يدخل النّار، فلا عبرة بإيمانه أثناء الجنون، وأمّا إذا عرض له الجنون، ثمّ عقل وتوفي وهو عاقل فإنّ العبرة بآخر أحواله قبل أن يموت؛ ما دام عاقلاً قبل أن يموت، فالعقل إذاً هو الشّرط الأوّل من شروط التّكليف.
والشّرط الثّاني: هو البلوغ. مرحلة البلوغ أو لنقل نقطة البلوغ، لأنّ البلوغ وإن كان يستمر فترةً طويلة تظهر فيها عوارض عديدةٌ، فإنّ له علامةً مميّزةً بالنّسبة للأنثى هي الحيض وخروج دم الطّمث، وبالنّسبة للذّكر هو الاحتلام وخروج المنيّ، وإن تبعت هذه العلامة علاماتٌ أخر، واستمر البلوغ فترة طويلة فإن البلوغ الشّرعيّ يُعلم بهذا، فهو إذاً لا يستغرق فترة إنّما هو يعلم بحادثة، فإن لم يظهر ذلك وتأخّر كثيراً فإنّه يعتبر فيه العمر، وقد اختلف الأئمّة في اعتبار العمر، فمنهم من قال خمسة عشر عاماً، ومنهم من قال ثمانية عشر عاماً، هذا لمن لم تظهر عليه علامة البلوغ، وأمّا إن ظهرت فقد كُلّف، حتّى ولو كان في العاشرة من العمر، حتّى ولو كان أقلّ من ذلك.
سنّ البلوغ: سنٌّ لتجديد العهد والميثاق مع الله سبحانه؛ لأنّ الّذي يكون في مرحلة الطّفولة هو لا يزال في ميثاقه الأوّل، ولم تأت بعد مرحلة التّجديد، الميثاق الأوّل: الّذي أعطاه في عالم الذّرّ { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * } يقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: [ سألت ربّي أولاد المشركين فأعطانيهم خدماً لأهل الجنّة ]، [ سألت ربّي أولاد المشركين ]: أي الّذين ماتوا على الشّرك قبل أن يبلغوا، [ فأعطانيهم خدماً لأهل الجنّة: لأنّهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشّرك، ولأنَّهم في الميثاق الأوّل ].
وأمّا الشّرط الثّالث من شروط التّكليف: فإنّه بلوغ الدّعوة، فمن لم تبلغه الدّعوة، وكان معزولاً عن الدّعوة السّماويّة عزلاً زمانيّاً أو مكانيّاً فلا تكليف عليه، وقد قال الله سبحانه وتعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * } فمن عاش في فترة بين نبيّين فلم يدرك النّبيّ الأوّل ولم يدركه النّبيّ الثّاني، ولم يسمع بدعوة الّذي قبله ولم تبلغه دعوة الّذي بعده، فإنّه لا تكليف عليه لا بما قبله ولا بما بعده، عُزل عزلاً زمانيّاً، وكذلك من عاش في زمن نبيٍّ وفي زمن دعوة ولكنّه كان يعيش على شاهق جبل، أو في جزيرةٍ نائية، أو في صحراءٍ ( أو في صحراءَ بعيدة ) ولم يسمع بدعوة ذلك النّبيّ، فإنّه لا تكليف عليه، فإذا عاش في زمنٍ بين زمني نبيّين فيُسَمّى من أهل الفترة، وأهل الفترة ناجون كما في هذه الآية: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * } فلم تبلغهم الدّعوة.
وأمّا الشّرط الرّابع من شروط التّكليف فإنّه: سلامة الحواسّ، أو سلامة بعضها ممّا يمكن التّفاهم مع هذا الإنسان من خلاله، وأمّا إن تصوّرنا إنساناً أصمّ أبكم أعمى، لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق، فكيف السّبيل إلى التّفاهم معه؟ وكيف السّبيل إلى دعوته إلى الحقّ؟ هذا الرّجل أعمى نتكلّم معه فيسمعنا ولا نستطيع أن نشير إليه بالإشارة والإيماء، لا بدّ من النّطق، وذاك الرّجل أصمّ لا يسمع فنشير إليه بالإشارة، ندعوه إلى الحقّ، فإن استجاب عبّر لنا عن استجابته بالإشارة أيضاً، وأمّا إن فقد الحاسّتين ( حاسّة السّمع وحاسّة البصر ) فقد تعذّر علينا التّفاهم معه، فسقط التّكليف عنه فلا يحاسب يوم القيامة على إيمانٍ ولا على طاعة، ولكن هؤلاء الأقوام الّذين سقط التّكليف عنهم لافتقاد شرطٍ من هذه الشّروط لا تكون لهم الدّرجات العالية في الجنّة بل يكونون من عوامّ الجنّة، وليس هذا نقيصة لأنّ أدنى أهل الجنّة منزلةً رجلٌ له مثل الدّنيا وعشرة أمثالها كما أخبر عليه الصّلاة والسّلام: [ سأل موسى عليه السَّلام ربّه: أخبرني عن أدنى أهل الجنّة منزلةً وعن أعلاهم منزلة، قال: أدنى أهل الجنّة منزلةً رجل يخرج من النّار ] ( … يسأل الله هو أوّلاً ) [ يقول: يا ربّ أين تذهب بي؟! ] ( هذا يخرج من النّار وقد أخذ النّاس أخذاتهم ونزلوا منازلهم ) [ يقول: يا ربّ أين تذهب بي وقد أخذ النّاس أخذاتهم ونزلوا منازلهم؟!، فيقول تعالى: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدّنيا. يقول: رضيت ربِّ!. يقول: فإنّ لك ذلك ومثله. يقول: رضيت ربِّ!!. يقول: فإن لك ذلك ومثله، ومثله. يقول: رضيت ربِّ!!! ]… « لا تكمّل عقلي ما عاد يستحمل » [ قال: يا ربّ فأعلاهم منزلةً. قال: أولئك الّذين غرست كرامتهم بيدي { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * } لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ] إذاً هذا هو المكلّف، فكلّ مكلّفٍ وجب عليه أن يتعلّم علم التّوحيد ويتعلّم مسائله وأدلّة مسائله - ولو أدلّةً إجماليّةً - حتّى تصحّ عقيدته، وهذا ما نصّ عليه علماء التّوحيد، نصّوا على الوجوب، فقال الإمام اللّقّانيّ في ( جوهرة التّوحيد ):
فكلُّ منْ كُلِّفَ شرعـاً وجبـا * عليهِ أن يعرفَ ما قـدْ وجبـا
لله والجـائــزَ والممتنعـا * ومثـلُ ذا لرسلـهِ فاستمعــا
وقال كذلك:
وبعدُ فالعلـمُ بأصـلِ الدّيـنِ * محتّـمٌ يحـتـاجُ للتبييــنِ
فكلمة محتّـم بمعنى واجب ومفروض، وقال الإمام المقريّ في منظومته
( إضاءة الدُّجنّة في عقائد أهل السّنّة ):
وعلمُ أصلِ الدِّينِ مشهورُ الشَّرفْ * وخيرهُ المنثـورُ ما لـهُ طـرفْ
وكيفَ لا وهـوَ المفيـدُ للـورى * علمـاً بمـنْ أنشأهُـمْ وصـوَّرَا
وحكمُـهُ علـى البرايـَا انحتمَـا * وبالنّجـاةِ فـازَ منْ لـهُ انتمَـى
لأنَّــهُ بنـورهِ ينقــذُ مــنْ * ظلمـةِ تقليـدٍ فنفعَـهُ ضمِــنْ
إذاً قال: ( وحكمُـهُ علـى البرايـَا انحتمَـا ) فعُلم إذاً أنّ هذا العلم مفروضٌ واجب ولا يجوز فيه التّقليد، وهذه مسألةٌ أخرى تكلّم المحقّقون من علماء التّوحيد فيها كثيراً ودار حولها خلافٌ عريض ( حول حكم المقلّد في علم التّوحيد )، علم الفقه ليس كعلم التّوحيد في أهميّته، لأنّ علم الفقه تتوقّف عليه صحّة العبادة، وأمّا علم التّوحيد فتتوقّف عليه صحّة العقيدة، لذلك فقد أجاز العلماء التّقليد في علم الفقه إطلاقاً، ولكنّهم لم يُجيزوا التّقليد في علم التّوحيد بالإطلاق ذاته لأنّ التّقليد هاهنا فيه خطر وقد يترتب عليه فسادٌ في العقيدة من حيث لا يحتسب المرء، يقول الإمام اللّقّانيّ في ذلك:
إذْ كلُّ منْ قلّدَ فـي التّوحيـدِ * إيمانهُ لمْ يخـلُ مـنْ ترديـدِ
ففيهِ بعضُ القومِ يحكي الخُلفا * وبعضهمْ حقّـقَ فيـهِ الكشفـا
فقالَ: إنْ يجزمْ بقـولِ الغيـرِ * كفى وإلاَّ لمْ يزلْ في الضّيـر
ومدار أقوال المختلفين على ستّة محاور:
الأوّل: إن المُقلّد كافر على الإطلاق، بدون تفصيل، وهذا القول قولٌ متطرّف تفرّد به إمامٌ من أئمّة المعتزلة هو: أبو هاشمٍ الجبّائيّ، قال: إن المُقلّد كافر، ولم يوافقه في ذلك أحدٌ من أهل السّنّة، بل خالفه في ذلك جمهور المعتزلة ذواتهم.
القول الثّاني: إنّ المُقلّد مؤمنٌ عاصٍ لترك النّظر، كان عليه أن ينظر، كان عليه أن يدقّق وأن يعرف الأدلّة على مسائل العقيدة.
القول الثّالث: المؤمن المُقلّدُ في التّوحيد مؤمنٌ عاصٍ إذا كانت فيه أهليّة النّظر، أمّا إذا لم تكن فيه أهليّة النّظر فليس عاصياً، النّاس درجات منهم العاميّ إيمانه فطريّ، تقول له: ما الدّليل على وجود الله؟ فيسكت. ولكن هو في جوهره يمتلك أدلّةً كثيرة ولكنّها أدلّةٌ فطريّة، كمثل تلك المرأة الّتي قالت عن الفخر الرّازيّ - عندما قيل لها إنّه وضع ألف دليلٍ على وجود لله - قال: لو لم يكن عنده ألف شكٍّ لما وضع ألف دليل. فلمّا بلغ الخبر الفخر الرّازيّ قال: اللّهمّ إيماناً كإيمان العجائز…، فالّذي صفا قلبه وشفّت روحه ما عاد محتاجاً إلى أدلّة، وقد لا يكون قادراً على تقرير الأدلّة لذلك فقد قال الشّاعر في هذا:
يقـولـونَ أيـنَ الـدّليـلُ * عليـكَ فمــاذا أقــولُ؟
وأنــتَ الـدّليـلُ علينـا * وأنـتَ الـرّحيـمُ الجليـلُ
الصّغير يدلّ على الكبير؟! المخلوق يدلّ على الخالق؟! الحادث يدلّ على القديم؟! الفاني يدلّ على الباقي؟! نحن ندلّ على الله؟! كيف يمكن هذا؟!
يقـولـونَ أيـنَ الـدّليـلُ * عليـكَ فمــاذا أقــولُ؟
وأنــتَ الـدّليـلُ علينـا * وأنـتَ الـرّحيـمُ الجليـلُ
إذاً فإن لم تكن عنده أهليّة النّظر فليس عاصياً، وأمّا إن كانت عنده أهليّة النّظر وترك النّظر والتّدقيق ومعرفة الأدلّة فهو عاصٍ.
القول الرّابع: إذا قلّدَ معصوماً كالكتاب والسّنّة جاز، وأمّا إن قلّدَ غير معصومٍ كإنسانٍ غير النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يجز وكان آثماً.
القول الخامس: ( وهذا القول لغالب الصّوفيّة ) إنّ النّظر حرام!، وبالتّالي التّقليد في هذا القول واجب، فلا يجوز للمرء أن ينظر ولا يجوز له أن يدقّق في علم التّوحيد بل يجب عليه أن يكون إيمانه إيماناً فطريّاً لا دور للعقل فيه…!
غالب الصّوفيّة قالوا بهذا، وهذا قولٌ بعيدٌ عن الصّواب وذلك لأنّ علم التّوحيد وُضع للردّ على أصحاب البدع والمنحرفين في العقيدة عن مذهب السّلف وأهل السّنّة، وهؤلاء لا يمكن أن نقنعهم بالفطرة، هؤلاء لا بدّ لهم من حجج عقلانيّة منطقيّة تردّ شبهاتهم.
القول السّادس: إنّ النّظر شرط كمالٍ وليس شرط صحّةٍ لعقيدة المسلم، وبالتّالي فإن التّقليد وترك النّظر خلاف الأولى، فلا هو كفرٌ ولا هو حرام، بل هو خلاف الأولى.
هذا هو الاختلاف الّذي قال فيه الإمام اللّقَّانيّ:
ففيهِ بعضُ القومِ يحكي الخُلفا *.................................
وأمّا قوله:
...............................* وبعضهمْ حقّـقَ فيـهِ الكشفـا
فيقصد به التّاج السُّبكيّ رحمة الله عليه، فقد فصّل التّاج السُّبكيّ بذلك فقال: ( إنّّه إن قَـلّدَ وهو جازمٌ بعقيدة المُقلَّد صحّت عقيدته، وأمّا إن لم يجزم بعقيدة المُقلَّد فإنّه آثمٌ عاصٍ ):
فقالَ: إنْ يجزمْ بقـولِ الغيـرِ * كفى وإلاَّ لمْ يزلْ في الضّيـر
وكيف الجزم؟ قال: ( الجزم أن تكون عقيدته ثابتة بحيث إذا كان يُقلِّد إنساناً في أمور العقيدة، ثمّ شذّ هذا المُقلَّد ( الإمام ) عن هذه العقيدة، ولكن المُقلِّد لم يشذّ عنها مثل ما شذ مُقلَّده، فهو إذاً يجزم بعقيدته، وأمّا إن شذَّ المُقلَّد فشذّ المُقلِّد معه فهو إذاً لا يجزم، فهو بتقليده آثم:
فقالَ: إنْ يجزمْ بقـولِ الغيـرِ * كفى وإلاَّ لمْ يزلْ في الضّيـر
هذا ما قالوا حول حكم المُقلّد، إذاً هذه هي الأحكام التّفصيليّة لعلم التّوحيد، وهذا هو المبدأ الخامس من مبادئه.
وأمّا المبدأ السّادس من المبادئ العشرة لعلم التّوحيد فهو: استمداده ( من أين يستمد علم التّوحيد ): علم التّوحيد علمٌ عقليٌّ شرعيّ ومعنى هذا أنّه علمٌ شرعيّ فلا بدّ أن يكون آخذاً بالكتاب والسّنّة، ولكنّه ليس علماً شرعيّاً نقليّاً كعلم الفقه مثلاً، بل هو علم شرعيٌّ عقليّ، فاحتاج إلى شيءٍ آخر مع الكتاب والسّنّة: ألا وهو العقل، إذا أردنا أن نعلم النّاس أحكام الطّهارة، فهل نحتاج إلى الأحكام المنطقيّة وأقوال الفلاسفة؟ لا، هل نحتاج إلى أن نقتنع بأحكام الطّهارة والنّجاسة الّتي جاءت بالشّرع؟ لا، لأنّ هذا نقل، هذا الإنسان الّذي يعمل بعلم الفقه دخل في الإسلام، وبعد أن دخل في الإسلام صار مسلّماً لكلّ أحكامه، فلا داعي لأن يقتنع بكلّ حكمٍ بالتّفصيل، المهمّ أنّ هذا الحكم ثبت نقله عن الصّادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، وأمّا علم التّوحيد فإنّه علمٌ شرعيّ عقليّ يخاطب به غير المسلمين، وغير المسلمين لا يقتنعون بالنّقل، تقول لهم قال الله {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ*} إذاً عليكم أن تجزموا بأنّ الله واحد، لأنّ الله قال: { هُوَ الله أَحَدٌ * } يقولون: وما أدرانا أنّ الله قال: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * } ثمّ ما أدرانا أنّ هنالك إلهاً اسمه الله، هكذا يقول لنا الملحدون والكفرة، فكيف نخاطبهم بالقرآن وهم لا يؤمنون لا بالقرآن ولا بقائل القرآن سبحانه وتعالى، إذاً احتجنا إلى العقل لنردّ الشّبهات، وذلك لأنّ هؤلاء الملحدين استخدموا العقل في شبهاتهم، فلا بدّ من أن نستخدم العقل في ردّ شبهاتهم وذلك من باب مقابلة الشّيء بمثله، لابدّ من مقابلة الشّيء بمثله، لابدّ من أن تكون عند الدّعاة لغةٌ تطابق لغة المدعوّين والمتلقّين، فإنّك إن أردت أن تخاطب إنساناً فارسيّاً باللّغة العربيّة فلن يفقه شيئاً ممّا تقول، وإن أردت أن تخاطب عاميّاً بلغة فلسفيّة فلن يستوعب شيئاً ممّا تقول، لابدّ من أن تكون لغة الدّاعي هي لغة المتلقي، وفي هذا يقول الله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } فلمّا كان المتلقّون الأوائل عرباً كانت لغة المصطفى عليه الصّلاة والسّلام اللّغة العربيّة، فإذا أردت أن تدعو اليوم إنساناً أعجميّاً وجب عليك أن تتعلّم لغته، فعلمنا إذاً أنّ تعلّم اللّغات الأعجميّة فرضٌ على الدّعاة إلى الله في هذا الزّمان، فرضٌ شرعيّ على الدّعاة إلى الله أن يتقنوا لغةً أجنبيّة على الأقلّ ولغاتٍ عدّةً إن استطاعوا، لأنّها صلة الوصل ما بين الدّاعي والمتلقّي، وإلاّ فهل نقول لرجلٍ فرنسيّ: نريد أن ندعوك إلى الإسلام فاذهب وتعلم اللّغة العربيّة ثمّ تعال إلينا حتّى ندعوك إلى الإسلام؟ « إي بقول لنا مين قال لكم أنا بدي الإسلام بالأساس؟ بدو يروح يخضع لدورات مكثّفة » ومناهج صعبة في تعلم لغةٍ تكاد تكون من أصعب لغات العالم «من شان شيء نحن بدنا إياه، هو ما بدو إياه» هذا لا يعقل « إذا نحن بدنا ندعوا نحن بدنا نتعلّم لغته، إذا هو بدو يتلقّى منّا هو بدو يتعلّم لغتنا » والمسلم دائماً في موقع المبادر، وفي موقع الفاعل، وفي موقع المهاجم، لذلك ينبغي أن يكون ملمّاً بلغة من يهاجمهم ويبادرهم ويفعل بهم، هكذا ينبغي أن يفعل المسلم، وبالتّالي لمّا كانت شبهات المنحرفين الضّالّين الملحدين شبهاتٍ عقليّةً منطقيّةً فلسفيّة، وجب علينا أن نجابههم بمثل لغتهم، وهذا ما وجدنا تقريره في القرآن الكريم حيث استُخدم العقل في إثبات مسائل العقيدة، وإن كان عقلاً بسيطاً ولكنّه يقرّ استخدام لغة العقل حتّى ولو عُقِّدت، وذلك لأنّ عقل العرب بسيط، فجاءت لغة خطابهم لغةً عقليّةً بسيطة، فإن كان المنحرفون أصحاب لغةٍ عقليّةٍ معقّدة وجب على الدّعاة إلى الله أن تكون عندهم لغةٌ عقليّةٌ معقّدة، لذلك فإنّ استمداد علم التّوحيد من ثلاثة مصادر: الكتاب والسّنّة والعقل…
أمّا الكتاب والسّنّة: فهما أصلان لكلّ علمٍ شرعيّ، نقليّاً كان أم عقليّاً، وفي ذلك يقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في الحديث الّذي رواه الإمام مالك في موطئه: [ تركت فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي ] والكتاب والسّنّة صنوان قسيمان في الشّرع لا يغني أحدهما عن الآخر، فالمتن هو الكتاب والشّرح هو السّنّة، ولا يغني شرحٌ عن متنٍ ولا يفيد متنٌ دون شرحٍ {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
وأمّا العقل فلقد حضّ الله تعالى على استخدامه في الوصول إليه في مواطن كثيرة فقال سبحانه: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وكثيراً ما قال تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ*} ، { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } في ذلك حضّ على العقل، وكثيراً ما قال سبحانه: { لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * } والألباب جمع لبّ، واللّبّ هو العقل، وكثيراً ما قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى * } والنّهى جمع نُهية، والنُّهية هي العقل، فالنُّهية واللّبّ والعقل ما ذكرت في القرآن الكريم إلاّ على سبيل المدح وعلى سبيل الحضّ على استخدامها، فإذا ذمّ إنسانٌ العقل وقال: إنّ العقل والشّرع يتخالفان، فهذا يدلّ إمّا على فساد دينه أو على فساد عقله، لأنّه إن كان صالح الدّين وصالح العقل فلا بدّ من أن يتوافق دينه وعقله، فإن فسد أحدهما أو فسدا معاً تناقضا وتخالفا، من كان دينه فاسداً رأى تناقضاً بين العقل والدّين، ومن كان عقله فاسداً رأى كذلك تناقضاًَ بين العقل والدّين، يقول الإمام أبو حفصٍ عمر بن محمّدٍ النّسفيّ وهو من علماء القرن السّادس الهجري، ولد عام أربعمئة وواحد وستين، توفي عام خمسمئة وسبعة وثلاثين، وهو صاحب كتابٍ مختصرٍ شهيرٍ مسمىً بـ: ( العقائد النّسفيّة )، يقول في عقائده النّسفيّة: ( وأسباب العلم للخلق ثلاثة، وأسباب العلم للخلق ثلاثة: الحواسّ السّليمة، والخبر الصّادق، والعقل )… فالعقل إذاً سببٌ موجبٌ للعلم، الإنسان يكتسب العلم ممّا يرى وممّا يسمع فيكتسب العلم ممّا يعقل، لذلك اصطلح على تسمية العلوم بفرعيها علوماً نقليّةً وعلوماً عقليّة، فالكتاب والسّنّة استمدادٌ نقليّ.
والمصدر الثّالث: استمدادٌ عقليّ.
إذاً تستمد مسائل علم التّوحيد من الكتاب والسّنّة والعقل.
وأمّا المبدأ السّابع من المبادئ العشرة فإنّه: نسبة العلم، فلا بدّ أن نعرف نسبة العلم، أي مكانته بين العلوم، علم التّوحيد كما رأينا يسمّى علم أصول الدّين، من هنا فنسبة علم التّوحيد أنّه أصل العلوم وما سواه من العلوم فهو فرع، أصل العلوم الشّرعيّة، وقد بيّنّا سبب ذلك فقلنا: إنّ الدّين معرفةٌ وطاعة، فالمعرفة هي العقيدة، والطّاعة هي العبادة، والعقيدة يتكلّم عنها علم الكلام، والعبادة يتكلّم عنها علم الفقه، إذاً عقيدةٌ وطاعة: علم كلامٍ وعلم فقه، المعرفة هي الأصل والطّاعة هي الفرع؛ لذلك كان علم الكلام هو العلم بالأصول وعلم الفقه هو العلم بالفروع.
وأُشبِّه الدّين بشجرةٍ ضاربة الجذور في الأرض عظيمة الجذع عظيمة الأغصان باسقة الفروع في السّماء طيبة الثّمار خضراء الأوراق، الإسلام له جذورٌ وجذعٌ وفروعٌ وثمار، الإسلام درجات ثلاث: إيمانٌ وإسلامٌ وإحسان.
• الإسلام أوّلاً.
• والإيمان ثانياً.
• والإحسان ثالثاً.
من حيث الرّتبة والمكانة وليس من حيث التّدرج الزّمانيّ، بحيث: ليس بالضّرورة أنّ الإنسان يسلم أوّلاً ثمّ يؤمن ثانياً، بل العكس المرء يؤمن أوّلاً ثمّ يسلم، أي يعتقد ثمّ يعمل، الأصل هو العقيدة والمعرفة والفرع هو العبادة والطّاعة، وإذا وُجد امرؤ يسلم ثمّ يؤمن فهذا حالة خاصّة، مثل الأعراب الّذين قال الله تعالى فيهم: { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي سوف يدخل ولكن لم يأت وقته بعد…
هم أسلموا ثمّ آمنوا، وأمّا الإنسان السّويّ الطّبيعيّ فإنّه يؤمن ثمّ يسلم، من هنا كان الإيمان هو الأصل والجذور والإسلام هو الفرع وهو الطّاعة، ثمّ بعد ذلك تأتي الثّمرات، إذاً إيمانٌ وإسلامٌ وإحسان.
• فالإيمان يُعبّر عنه بالعقيدة.
• والإسلام يُعبّر عنه بالشّريعة.
• والإحسان يُعبّر عنه بالأخلاق.
العقيدة هي الجذور الّتي إذا وُجدت فإنّ كلّ ما بعدها سهلٌ هيّن، فإذا صلحت عقيدة امرئٍ آلَ أمره إلى الجنّة حتّى ولو دخل النّار لتركه العبادة ولفعله المعاصي، ولكن إن فسدت عقيدته وصحّت عباداته واستقامت شريعته فلا تنفعه صحّة العقيدة، بل إنّه منافقٌ خالدٌ في نار جهنم، لأنّ الجذر فاسد فالعقيدة هي الجذر، ثمّ تأتي العبادات الّتي تنتج عن العقيدة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ، [ قال: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: قل آمنت بالله ثمّ استقم. ]، لأنّ الإيمان الجذر والاستقامة الفرع، فالإسلام الّذي هو الشّريعة من عبادات ومعاملات هو جذع هذه الشّجرة وفروعها، وأمّا الإحسان الّذي هو الأخلاق فإنّه ثمار هذه الشّجرة. ألم ترَ أنّ الله قال: { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } فالصّلاة عبادة، والنّهي عن الفحشاء والمنكر خُلُق، فالعبادة أثمرت الأخلاق، ألم ترَ أنّ الله تعالى قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فالتّقوى ثمرة للصيام، ألم ترَ أن الله تعالى قال: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } فالعبادة أثمرت الخلق… لذلك فيُقال: علم التّوحيد أصلٌ للعلوم الشّرعيّة وكلّ ما عداه من العلوم فرعٌ له، لأنّ الدّين: معرفةٌ وطاعة؛ فالمعرفة هي الأصل والطّاعة هي الفرع، وعلم التّوحيد هو الّذي يتكلّم عن المعارف وعلم الفقه هو الّذي يتكلّم عن الطّاعات، فعلم التّوحيد علم أصول وعلم الفقه علم فروع.
وأما المبدأ الثّامن من المبادئ العشرة فهو: مسائل هذا العلم، والمسائل في علم التّوحيد مستمدةٌ من علم المنطق، فعلم المنطق يقول: إنّ الحكم المنطقيّ واحدٌ من ثلاثة أحكام: الوجوب والجواز والاستحالة، لذلك قال العلماء في هذا المبدأ: (مسائله الواجبات والممكنات والمستحيلات).
• وتعريف الواجب: هو ما لا يُتصوّر في العقل عدمه.
• والجائز أو الممكن: هو ما يجوز في العقل وجوده وعدمه.
• والمستحيل أو الممتنع: هو ما لا يُتصوّر في العقل وجوده,
الواجب: ما لا يُتصوّر في العقل عدمه، وضده المستحيل: ما لا يُتصوّر في العقل وجوده، وبينهما الجائز: ما يجوز في العقل وجوده وعدمه.
الله واجب الوجود، الإنسان جائز الوجود، شريك لله مستحيل الوجود، هذه أمثلة مختصرة تقرّب لك الفكرة، الله واجب الوجود لا يُتصوّر في العقل عدمه، لا يُتصوّر في العقل أن يكون الله غير موجود، فالله موجوداً وجوداً واجباً، وجوداً محقّقاً محتّما، ولا يُتصوّر أن تمرّ لحظةٌ والله ليس موجوداً فيها، فالله واجب الوجود، هل يمكن أن يوجد لله ندٌّ أو نظير أو شبيه أو شريك أو قسيم؟ حاشى، هل يمكن أن يتحقق ذلك ولو لحظة واحدة؟ حاشى، هل يمكن أن يُتصوَّر ذلك في العقل؟ حاشى، إذاً فوجود ندٍّ لله تعالى لا يُتصوَّر في العقل، فإذاً النّدّ مستحيل لله سبحانه وتعالى، فالمستحيل ما لا يُتصوّر في العقل وجوده، الإنسان إذا وُجد وإذا أُعدم فهذا شيءٌ واحد سيّان، سيّان في الكون وجود الإنسان وعدمه، لذلك يطرأ وجود الإنسان على الكون ثمّ يعود إلى حالة العدم، لذلك فهو ممكن الوجود، جائز الوجود. جمع هذه الأحكام الثّلاثة الدّردير في خريدته فقال:
فالواجبُ العقليِّ ما لـمْ يقبـلِ * الانتفـا فـي ذاتـهِ فابتهـلِ
والمستحيلُ كلّ ما لـمْ يقبـلْ * في ذاتهِ الثّبـوتَ ضـدَّ الأوّلْ
وكـلُّ أمـرٍ قابـلٍ للانتفـا * وللثبــوتِ جائـزٌ بلا خفـى
( فالواجبُ العقليِّ ما لـمْ يقبـلِ * الانتفـا ) أي الانتفاء (فـي ذاتـهِ فابتهـلِ) ما لم يقبل الانتفاء، والانتفاء ضدّ الثّبوت، والعدم ضدّ الوجود إذاً:
فالواجبُ العقليِّ ما لـمْ يقبـلِ * الانتفـا فـي ذاتـهِ فابتهـلِ
والمستحيلُ كلّ ما لـمْ يقبـلْ * في ذاتهِ الثّبـوتَ ضـدَّ الأوّلْ
( الثّبوت ضد الانتفاء )
وكـلُّ أمـرٍ قابـلٍ للانتفـا * وللثبــوتِ جائـزٌ بلا خفـى
إذاً هذه هي مسائل علم التّوحيد: الواجبات، والممكنات أو الجائزات، والمستحيلات أو الممتنعات في ذات الله تعالى، ثمّ للأنبياء والرّسل، ثمّ بقيّة السّمعيّات، هذا هو المبدأ الثّامن من المبادئ العشرة.
وأما المبدأ التّاسع فإنه: فائدة علم التّوحيد ( ماذا يراد منه ): فائدة علم التّوحيد صحّة العقيدة الّتي تترتّب عليها صحّة العبادة، هذا ما يستفيده المرء من علم التّوحيد، إذ ربّ رجلٍ يعبد الله تعالى سنين طوالاً وفي عقيدته فسادٌ فتردّ عليه عبادته كلّها في نهاية المطاف، هؤلاء الخوارج ( الحروريّة ) كانت عباداتهم يُضرب المثل بها!، بل حتّى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ذكر عظم قدر عباداتهم في الظّاهر، وذكر أنّ عباداتهم مردودةٌ عليهم!، السّبب: فساد عقيدتهم. كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقسم الغنائم عندما قام ذلك الرّجل الّذي تواقح على رسول الله عليه الصّلاة والسّلام وما قدره حقّ قدره فقال: ( اعدل يا رسول الله اعدل، هذه قسمةٌ ما أريد بها وجه الله ) يتهم النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بالمحاباة، قال: (اعدل هذه قسمةٌ ما أريد بها وجه الله)، قال: [ ويحك من يعدل إن لم أعدل؟! ].. « أنت بدّك تعلمني العدل؟! » ثمّ التفت عليه الصّلاة والسّلام عنه إلى أصحابه فقال: [ يخرج من ضئضئ هذا ( أي من نسله وعنصره ) أقوامٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقرآنكم مع قرآنهم ( أي لشدة خشوعهم وإتقانهم للصلاة، تقولون ما صلاتنا إلى جوار صلاة هؤلاء! ) تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقرآنكم مع قرآنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة تنظر في القدح فلا ترى شيئاً وتنظر في النّصل فلا ترى شيئا ] إذاً عباداتهم مضربٌ للمثل، وكلّها مردودةٌ وليس لهم في الإسلام نصيب، خرج الخوارج الحروريّة من نسل هذا، وخرج منهم قاتِل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عبد الرّحمن بن ملجم المراديّ التّجيبيّ، ذهبوا ليقبضوا على ابن ملجم فكان يصلي، فانتظروه حتّى فرغ من الصّلاة، أتوا به ليقتلوه بعليّ رضي الله عنه فكان لسانه لا يفتر عن ذكر الله « ما شاء الله! صلاة الدّيب لابنه » كان لسانه لا يفتر عن ذكر الله تعالى، عبادةٌ عالية ولكنّها عند الله تعالى لا قيمة لها ولا وزن: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنثُوراً } لأنّ عقيدتهم فسدت، فإذا كانت أساسات البناء منخورة، أو كان لا أساساتٍ له ثمّ بني على هذه الأساسات الضّعيفة أو المنخورة بناءٌ شامخٌ رائع فلا قيمة لهذا البناء كلّه لأنّه بناءٌ سريعاً ما ينهدم، ولأنّه بناءٌ لا يأمن عاقلٌ على أن يسكن فيه، وكذلك هؤلاء أصلحوا بناء عباداتهم وظواهرهم ولكن غفلوا عن إصلاح عقائدهم وبواطنهم، لذلك ففائدة علم التّوحيد صحّة العقيدة الّتي تترتّب عليها صحّة العبادة.
وأما المبدأ العاشر فإنّه: فضل هذا العلم أو غايته: غايته الفوز برضا الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، ودخول الجنّة إن شاء الله تعالى، وهذا لا يعني أنّ من لم يتعلم علم التّوحيد لا يدخل الجنّة، لأنّنا إن قلنا هذا نصير مثل أبي هاشم الجبّائيّ الّذي كفّر من لم يتعلّم علم التّوحيد، وقال فيه الإمام الغزاليّ رحمة الله عليه في هذا المبدأ قال: ( أسرف قومٌ بتكفير عموم المسلمين، وجعلوا فرضاً على كلّ مسلم أن يتعلّم العقائد الشّرعيّة بالأدلّة الّتي حرّروها؛ فضيّقوا رحمة الله تعالى وجعلوا دخول الجنّة حصراً على طائفةٍ قليلةٍ من المسلمين، أو على عددٍ قليل من المسلمين).. إذاً هذا إسراف، نحن نقول: من صحّت عقيدته من عوامّ المسلمين ولم يعلم الأدلّة فإنه مقبولٌ عند الله تعالى، ولكن قول جمهور أهل السّنّة: إنّ من امتلك أهليّة النّظر فلم ينظر وكان مقلداً في عقيدته فهو مؤمنٌ عاصٍ، هذا ما قاله جمهور أهل السّنّة، فتعلم علم التّوحيد يؤدي إلى دخول الجنّة دون عذاب لأنّه يؤدي إلى ترك المعصية الّتي تحدث بترك تعلمه، يؤدي كذلك إلى دخول الجنّة والنّجاة من النّار لأنّ إنساناً لا يتعلّم علم التّوحيد قد تكون عنده عقيدةٌ فاسدةٌ توجب خلوده في نار جهنم، لذلك قلنا: إنّ غاية علم التّوحيد وفضله أنّه يُوجب رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنّة يوم القيامة، فهذا هو عاشر المبادئ وتمامها وختامها ونكون به قد أتينا على ختام مقدمتنا هذه، نسأل الله تعالى أن يفتح بخير ويختم بخير ويجعل عاقبة أمورنا إلى خير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
اللّهمّ إنّا نسألك علماً نافعا وقلباً خاشعا ولساناً ذاكرا وعملاً صالحاً متقبّلا، ونعوذ بك من علمٍ لا ينفع وقلبٍ لا يخشع ونفسٍ لا تشبع وعينٍ لا تدمع وعملٍ لا يرفع ودعاءٍ لا يسمع، اللّهمّ حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الرّاشدين، اللّهمّ آتي نفوسنا تقواها زكّها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها، اللّهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه وحبّبنا فيه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرّهنا فيه، ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب، اللّهمّ كما جمعتنا على ما يرضيك حُل بيننا وبين معاصيك واجعلنا من المتحابّين فيك، اللّهمّ اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما وتفرقنا من بعده تفرّقاً معصوما، ولا تدع فينا شقيّاً ولا محروماً، اللّهمّ اجزِ عنّا نبيّنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم خير ما جزيت نبيّاً عن أمته، واجزِ عنّا مشايخنا ما أنت أهله يا ربّ العالمين، اللّهمّ اجعل ما علمناه من علمٍ وما عملناه من عمل وما علّمناه من تعليمٍ في صحائف أعمال مشايخنا وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وسائر المسلمين، وصلّ اللّهمّ على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه والحمد لله ربّ العالمين.

الملفات الصوتية
الملف الأول
أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .