التفسير > مقدمة في تفسير سورة النَّبأ.
مقدمة في تفسير سورة النَّبأ.

مقدمة في تفسير سورة النَّبأ.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم، على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللَّهمَّ علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً وعملاً وفقهاً في الدِّين. اللَّهمَّ طهِّر قلوبنا من النِّفاق، وأعمالنا من الرِّياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة. اللَّهمَّ إنَّا نعوذ بك من الشِّقاق والنِّفاق وسوء الأخلاق. اللَّهمَّ أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتِّباعه وحبِّبنا فيه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه وكرِّهنا فيه. ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنَّك أنت الوهَّاب. اللَّهمَّ يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك. اللَّهمَّ يا مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا إلى طاعتك. اللَّهمَّ إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنَّا. اللَّهمَّ تبرَّأنا إليك من حولنا وعلمنا وقوتنا وكلَّ شيءٍ فينا، اللَّهمَّ ولجأنا إلى حولك وعلمك وقوَّتك؛ فإنَّك أنت القويُّ ونحن الضُّعفاء، وإنَّك أنت القدير ونحن العاجزون، وإنَّك أنت العزيز ونحن الأذلاء، وإنَّك أنت العليم ونحن الجاهلون، وإنَّك أنت علام الغيوب. ربَّنا لاتكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيرك طرفة عين ولا أقلَّ من ذلك، وأصلح لنا شأننا كلَّه في الدِّين والدُّنيا والآخرة. اللَّهمَّ لا توجِّه قلوبنا إلا إليك، ولا تجعل اعتمادنا إلا عليك، اللَّهمَّ لا تجعل رجاءنا إلا فيك، ولا تجعل خوفنا إلا منك، ولا تجعل ثقتنا إلا بك، ولا تجعل أُنسنا إلا بك، ولا تجعل حبَّنا إلا لك بما يرضيك عنَّا يا ربَّ العالمين. اللَّهمَّ أعطِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللَّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ الفاتح لما أُغلق والخاتم لما سبق والنَّاصر الحقَّ بالحقِّ والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً، والحمد لله ربِّ العالمين.
رأينا أنْ نتخيَّر من سور القرآن الكريم -وكلُّها خير- أنْ نتخيَّر سورة النَّبأ، لعِظَم المعاني الَّتي فيها، والَّتي تحتاج إلى عظيم إيضاح، وذلك أنَّ سورة النَّبأ من السُّور الَّتي فيها إقرارٌ بأصول العقيدة، وإرساءٌ لقواعد الإيمان؛ فهي سورة مكِّيَّة، والسُّور المكيَّة يميِّزها عن السُّور المدنيَّة الكثير، يكفي أنْ نعلم أنَّ الدَّعوة المكيَّة استغرقت ثلاثة عشر عاماً والدَّعوة المدنيَّة استغرقت عشرة أعوام، وما في ذلك إلا دلالةٌ واضحةٌ على أهميَّة ما قد رُكِّزَ عليه في مكَّة ورجحانه على ما قد رُكِّزَ عليه في المدينة المنوَّرة.
التَّمييز بين سورةٍ مكيَّة وسورةٍ مدنيَّة، أو بين آية مكية وآية مدنية مُختلَفٌ فيه عند أهل العلم وإن كان قول الفصل من بين هذه الأقوال المختلَفِ عليها واضحاً.
فمنهم من قال إنَّ السُّور المكيَّة ما نزل في مكَّة والسُّور المدنية ما نزل في المدينة؛ أي كان مَناط الفصل والتَّمييز هو المكان بغضِّ النَّظر عن شيءٍ آخر.
ومنهم من قال السُّور المكيَّة ما خوطِب بها أهل مكة أينما أُنزلت ومتى ما أُنزِلت والسُّور المدنية ما أُنزل خطاباً لأهل المدينة المنورة، فالتَّمييز هاهنا مبنيٌ على أساس النَّاس الَّذين أُنزلت السُّورة من أجلهم والمخاطبين بها بغضِّ النَّظر عن أيِّ شيء آخر.
ومنهم من قال -وهذا هو القول الفصل وهذا هو القول الرَّاجح- إنَّ السُّور المكية هي كلُّ قرآن أُنزل قبل الهجرة إلى المدينة المنورة أينما أُنزل -مادام قد أنزل قبل الهجرة- والسُّور المدنية هي كلُّ قرآن أُنزل بعد الهجرة إلى المدينة المنوَّرة أينما أُنزل أيضاً، وهذا هو الصَّواب، فما أُنزل قبل الهجرة فهو مكِّيٌّ وما أُنزل بعدها فهو مدنيٌّ؛ فسورة النَّصر عل سبيل المثال أُنزلت في فتح مكَّة ومع ذلك هي تُعدُّ مدنيَّةً لأنَّها من بعد الهجرة رغم أنها أنزلت في مكَّةَ المكرمة.
الدَّعوة إلى الله في مكَّة المكرَّمة هي المرحلة التَّأسيسيَّة للدَّعوة في المدينة المنوَّرة. فإذا شئتَ التَّفصيل وهذا التَّقديم ضروريٌّ كلَّ الضَّرورة لمعرفة ما يميِّز دعوةً عن دعوةٍ وخطاباً قرآنياً عن آخر، هذه الدَّعوة الَّتي قسمناها إلى قسمين مكيٍّ ومدنيٍّ ليست بالتَّالي إلا مرحلة من مراحل الدَّعوة إلى الله تعالى الَّتي قام بها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام.
فإذا سُئلتَ كم سنة استغرقت الدَّعوة إلى الله جلَّ وعلا؟ فإنَّك تجيب بشكل مباشر: ثلاثة وعشرين عاماً، ولكن إنْ أردت التَّدقيق والتَّمحيص فإنَّك لن تجيب بهذا الجواب وإنَّما سوف تقول: لقد استمرت الدَّعوة إلى الله ثلاثة وستِّين عاماً؛ فرسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام لم يكن داعياً إلى الله عندما كان رسولاً فحسب، كان يدعو عندما صار رسولاً؛ وكان يُدعى به قبل أن يكون رسولاً، كان يُدعى به لأنَّه يمارس دعوةً إلى الله تعالى من غير أنْ يشعر، الله جلَّ وعلا هو الَّذي يمارس به هذه الدَّعوة، فإنْ شئت تفصيل هذه المراحل فلْتعلم أنَّ أقصر طريق إلى سلوك امرئ أنْ تصلح فكره.
من هنا كانت الدَّعوة المباشرة في المرحلة التَّشريعيَّة منذ أُنزل الوحي على النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *} حتَّى قُضي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} . كانت دعوةً مباشرة ولكن البداية في مكة كانت لخطاب الفكر.
أقصر طريق إلى السُّلوك هو الفكر؛ أُصلح الفكر فصلُح السُّلوك في المدينة، فإذا شئت أنْ تتعرف على أقصر طريق يوصل إلى الفكر فإنَّه العاطفة.
من هنا كانت الدَّعوة قبل أن تكون مباشِرة منذ نزل الوحي على النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام كانت دعوةً غير مباشرة، كانت دعوة عاطفية، فالنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام جعله الله جلَّ وعلا صادقاً أميناً، جعله الله جلَّ وعلا آلفاً مألوفاً، جعله الله جلَّ وعلا من أهل الرِّضى والقبول عند النَّاس، جعله الله جلَّ وعلا محترمَ الرَّأي مشاوَراً رغم حداثة سنِّه إلى جوار من يشاورونه، كلُّ ذلك إنَّما كان تقديماً للدَّعوة المباشرة الَّتي بدأت ببداية نزول الوحي عليه -صلوات الله وسلامه عليه- حتَّى إذا أحبُّوه واعتقدوا به وصار لهم به اعتقادٌ وله عندهم احترامٌ… صاروا مستعدِّين لأن يتقبَّلوا منه أن يدعوهم، وإن لم يستجيبوا فإنَّ الحُجَّة تكون قد أُقيمت عليهم.
أربعون عاماً قبل النُّبوَّة كانت سِني دعوة ما كانت سنينَ مهملةً من حياته صلَّى الله عليه وسلَّم، أعدَّه الله جلَّ وعلا من ناحيةٍ حتَّى بلغ أشدَّه وبلغ أربعين عاماً، فالأربعون عاماً هي أشُدُّ الإنسان، هي فترة التَّوازن مابين القوَّة العقليَّة الَّتي تظهر في الشَّيخوخة وما بين القوَّة الجسديَّة الَّتي تظهر في الشَّباب، فهما معا يجتمعان في سن الكهولة الَّتي هي وسطٌ بين الشَّيخوخة والشَّباب.
فمُنحني العقل صاعدٌ منذ البداية إلى النِّهاية، هو منحنٍ صاعد منذ أنْ يخلق الله جلَّ وعلا هذا الإنسان طفلاً لا يعرف من الدُّنيا ولا من مقوِّمات العقل والتَّفكير شيئاً إلى أنْ يموت لا بدَّ أنَّ عقله يتطوَّر، وأمَّا منحني الجسد، منحني القوَّة المادية، فإنَّه منحنٍ ذو طورين صاعدٍ ثم هابطٍ؛ فهو يبدأ بالصُّعود منذ البداية حتَّى يبلغ مرحلةً ما يبدأ بالهبوط {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} .
فمتى يمكن أن يجتمع الاثنان مع بعضهما؟ في سنِّ الكهولة، والله جلَّ وعلا قد سمَّى المرحلة الَّتي فيها يبلغ الإنسان أشدَّه -والأشُدُّ هنا صيغة جمع؛ أي أشَدَّ عقله وأشَدَّ قوَّته المادية، كلُّ ذلك أشُدٌّ- يبلغها في الأربعين عاماً، فضلاً عن ذلك هذه الأربعون إنَّما كانت إعداداً عاطفياً للنَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام في قلوب من يُهيَّأُ لهم أنْ يكونوا متلقِّين منه عندما يبدأ طور الدَّعوة المباشرة.
وانتقل النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام إلى الدَّعوة المباشرة، واستثمر تلكم الدَّعوة العاطفيَّة الَّتي مورست به، ولا نقول مارسها؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ لم يكن يعلم أنَّه نبيٌّ، وحتَّى لو سمع من الرُّهبان والأحبار أنَّه نبيٌّ في الغد فلا يعرف كُنْهَ النُّبوَّة وحقيقتها، فهو يسمع ويرى؛ يرى ذلك الكاهن الَّذي أُتيَ به إليه عندما أخذته حليمة بنت أبي ذؤيب ترضعه، أخذته إلى كاهنٍ كما يُؤخذ الأطفال إلى كُهَّانٍ ليدعوا لهم ويُتَمتموا عليهم بما عندهم، فلمَّا أنْ صار الدَّور إلى رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام وهو من هو؟ هو من وصفه القائل فقال:
طفلٌ مع اليُتمِ تهتزُّ العروشُ له * وهو ابنُ مهدٍ رضيعٌ غيرُ مُنفطمِ
ما إنْ نظر إليه، إلى هذا الطِّفل الَّذي تهتزُّ العروش له، ما إنْ نظر إليه الكاهن حتَّى ذُعِر وصاح: اقتلوا هذا الغلام، فأقبلوا عليه يستفسرون عن هذا الكلام العجيب الَّذي لا يمكن أن يُنفَّذ من قِبَل حليمة الَّتي أحبَّت هذا الغلام، قالت: لِمَ نقتله؟! قال: لأنَّ هذا الغلام إذا كبُر سيحطِّم أصنام العرب، صلوات الله وسلامه عليه، عرفه بسِمَته، عرفه بشكله صلَّى الله عليه وسلَّم.
سمع ذلك عليه الصَّلاة والسَّلام عندما كَبُر كثيراً… سمع ذلك من بَحيرة الرَّاهب البُصرويِّ الَّذي أخبره عليه الصَّلاة والسَّلام بأنَّ له شأناً، وسمع ذلك من كثيرٍ من الرُّهبان والأحبار وأهل الكتاب، ولكنَّ كلَّ ذلك كان بالنِّسبة للنَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام وصفاً لأمورٍ لا يمكن أن تُفهَم بمجرَّد الوصف…
الآن نحن سمعنا كثيراً عن ظاهرة الوحي، فهل فهمنا ما هو الوحي؟ هل فهم علماء النَّفس الوحي؟ هل للفلاسفة أنْ يقيسوا الوحي على شيءٍ ممَّا يفهمون؟ هل لعلماء النَّفس أنْ يشبِّهوا لنا الوحي بالحدْس على سبيل المثال؟ هل لعلماء العِرفان -علماء التَّصوف- أن يفهموا الوحي مطابقين له بالإلهام أو الفِراسة أو ما إلى هنالك؟ هذا كلُّه لا يمكن أنْ ينطبق على ظاهرة الوحي، وذلك أنَّها ظاهرةٌ فوق مستوى التَّفكير البشري، لا يمكن أنْ تدرَك.
توصَف مظاهرُها مثل صلصلة الجرس، يتفصَّد جبينه عرقاً، لا يكلِّم أحداً ولا يكلِّمه أحدٌ، هذه كلها مظاهر، أمَّا الوحي ذاته فلا يمكن أنْ نعلم حقيقته، لا يمكن أنْ يوصَف، فإذا كان هذا الأمر منطبقاً علينا فهو أيضاً منطبقٌ على محمَّد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه قبل أنْ ينزل عليه الوحي، فهو لا يعرف ما حقيقة هذا الأمر، ثمَّ لا يعرف ما معنى النُّبوَّة وما أبعادها.
وذلك أنَّ إيمان الأنبياء يزداد طوراً إثر طور، ولا يتوقَّف عند حدٍّ بل هو في تطوُّرٍ مستمرٍّ، هذا ما جزم به علماء التَّوحيد، كما ضربنا بهذا مثلاً قرآنياً من قَصص موسى كليم الله عليه السَّلام الَّذي رأينا كيف تطوَّر إيمانه تارةً فأخرى، الإيمان الَّذي إنَّما اُشتُقَّ من الأمان، لأنَّ الإيمان أمانٌ وطمأنينةٌ، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} ؛ الأمن في الآخرة والطُّمأنينة في الدُّنيا على ألا تكون أمناً من مكر الله، هذا هو الأمان الَّذي يُطلب، موسى كليم الله عليه السَّلام بدايته -بداية وحيه- ما كان في وادِ طوى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} ، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى *} وصف الله جلَّ وعلا موقف النَّبيِّ موسى عليه السَّلام فقال: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} … ولّى الأدبار هارباً فارَّاً، لأنَّه رأى شيئاً عجباً، العصا تتحوَّل إلى حيَّةٍ! هكذا كان موسى عليه السَّلام من البداية، لا بُدَّ أنَّ إيمانه اليوم خيرٌ من إيمانه البارحة، وغداً خيرٌ منه اليوم، هذا حال الصَّالحين، ولكن الصَّالحين مهما بلغ صلاحهم قد يضعفون يوماً ما، وأمَّا الأنبياء فلا يضعفون، لأنَّهم مكلوؤن بعناية الله تعالى.
في الحالة الطَّبيعية الصَّالحون يحاولون ألا يضعفوا إذ أنَّهم دائما يذكرون ما روي في الأثر الَّذي فيه ضعف نأخذه لروعة ما فيه من الحكم (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه خيراً من يومه فهو محروم، ومن لم يكنْ في زيادةٍ فهو في نقصان، ومن كان في نقصانٍ فالموت خيرٌ له). ولا يمكن أنْ ينطبق شيء كهذا على نبيٍّ من أنبياء الله.
المرحلة الأولى {وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ}، ذهب موسى إلى فرعون وعرض عليه ما عنده وجمع فرعون السَّحرة ليوم الزِّينة، واجتمعوا وموسى عليه السَّلام معهم {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى *} ، هذه الدَّرجة من الخوف أدنى من تلك الدَّرجة {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى *} لقد ارتقى إيمانه من يوم الوادي -واد طوى- إلى يوم الزِّينة، ثم كانت المرحلة الثَّالثة الَّتي رأيناها بنصِّ القرآن، يمضي موسى عليه السَّلام وصحبه من بني إسرائيل حتَّى يبلغوا اليَمَّ، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *} ماذا يردُّ عليهم؟ يردُّ عليهم بالثَّبات الَّذي ما عهدناه بالآيات السَّابقة {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ *} ، "كَلَّا" زجرٌ وردعٌ ونهيٌ، تفيد الثَّبات، تفيد الثِّقة، {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ *}، فإيمانه ارتقى مرحلةً إثر أخرى وطوراً بعد ثانٍ حتَّى بلغ درجة الثَّبات المطلق ودرجة الطُّمأنينة المطلقة لأنَّ الله جلَّ وعلا لن يضيِّعه.
فرسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام قبل نبوته ما كان يعرف أنَّه نبيٌّ، وارتقى إيمانه شيئاً فشيئاً، ولا بدَّ أنّه يرتقي؛ ولكنْ علينا أنْ نذكر أنَّ أدنى درجات إيمان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أعلى من إيمان أعلى واحد من أمته، قولنا إنَّ إيمانه يرتقي شيئاً فشيئاً لا يعني أنَّه كان دنيئاً ثمَّ صار عليَّاً وإنَّما ذلك يعني أنه كان عالياً على مستوٍ عالٍ ثم صار عالياً على مستوٍ أعلى، هذا هو الفارق، كان عالياً على مستوٍ عالٍ ثم صار عالياً على مستوٍ أعلى ثم أعلى ثم أعلى، وهو في أدنى مستوياته أعلى من أعلى مستويات أمَّته.
أمَا رأينا في حادثة شقِّ الصَّدر كيف قال الملاك للآخر بعد أنْ أخرجا صدره الشَّريف صلوات الله وسلامه عليه، قد شُقَّ صدره في حياته مرَّتين؛ في ديار بني سعد بن بكر عندما كان مسترضَعاً، وفي ليلة المعراج، فهذه الحادثة في طفولته صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أنْ أخرجا قلبه وغسلاه بطست من ذهب فيه ماء زمزم، وأخرجا من قلبه علقةً سوداء هي حظُّ الشَّيطان، وأعادا قلبه إلى موضعه، ثم رجع كل شيءٍ على ما يرام، عمليةٌ يراها النِّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام بأمِّ عينه دون تخديرٍ لا موضعيٍّ ولا كليٍّ… وحتَّى لو كان التَّخدير فكيف انفصل القلب عن الشَّرايين والأوردة؟ كيف توقَّفت وظائف الجسم؟ كيف توقَّف الضَّخُّ وما إلى هنالك؟ هذا هو وجه الإعجاز، هذا ما نسميه إرهاصاً لأنَّه أمرٌ خارقٌ للعادة لم يكن مقترناً بدعوى النُّبوة، فهو إرهاصٌ ولا يسمَّى معجزةً لأنَّ المعجزة يُشترط لها أنْ تقترن بدعوى النُّبوة.
ثم قال ملاك للآخر: زنه بواحدٍ من أمَّته، قال فوزنه فرجح، لم يوصف لنا آلية الوزن، ماذا ووزنا، ماذا فعلا، هكذا وصف لنا النَّصّ، قال: زنه بعشرة من أمته، فوزنه فرجح، قال زنه بمئةٍ من أمته، فوزنه فرجح… قال: حسبك فلو وزنته بأمته كلِّها لرجح عليهم… وهو طفلٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأدنى درجات إيمانه إذاً لا تُبلَغ ولا يوصل إليها، ومع ذلك لا يُتوقَّف عندها، ولكنَّ كلَّ لحظةٍ خيرٌ من الَّتي قبلها، وكلَّ يومٍ الإيمانُ فيه أعلى من اليوم الَّذي قبله.
ما كان النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يعرف كُنْه النُّبوة، حتَّى بعد أنْ نُبِّئ بفترةٍ وجيزةٍ عندما جاء ورقةَ بن نوفل وعرض عليه ما قد حلَّ به: [جاءني ملاكٌ فأخذني فغطَّني حتَّى بلغ منِّي الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثَّانية حتَّى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، ثم أخذني فغطني الثَّالثة حتَّى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ *} ] ورسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام مذعورٌ لما يحدث، فهو لم يكن متوقعاً لشيءٍ من هذا القبيل، قال له ورقة بن نوفل: [هذا النَّاموس الَّذي أُنزل على موسى بن عمران، يا ليتني فيها جذع عندما يُخرجك قومك حتَّى أنصرك]…
رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام لا يتوقَّع شيئاً كهذا، قال: [أوَمخرجيَّ هم؟!] (هم يحبُّونني! هم يعتمدون عليَّ في مشورتهم!) [أوَمخرجيَّ هم؟! قال ما جاء نبيٌ بمثل ما أتيت به إلا عاداه قومه وأخرجوه]… فهو عليه الصَّلاة والسَّلام ما كان متوقِّعاً لكلِّ ما سوف يحدث معه في المستقبل صلَّى الله عليه وسلَّم.
من هنا علمنا أنَّه كان يُدعى به دون أنْ يدعو صلَّى الله عليه وسلَّم، كان الله جل وعلا يُنفِّذ برسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام تمهيداً للدَّعوة المباشرة الَّتي سوف تكون خلال ثلاثة وعشرين عاماً.
وهاهنا المقارنة بين الفترتين، نعم فترة الأربعين عاماً ليست فيها أحداثٌ جِسامٌ ضخامٌ، ولكن يكفي أنْ نعلم أنَّها أربعون عاماً والَّذي بعدها ثلاثة وعشرون عاماً فنعلم بها أنَّ الدُّخول إلى القلب قد يستغرق وقتاً أطول بكثير من المرحلة الَّتي تأتي بعده؛ ألا وهي إقناع الفكر، ولا بأس في ذلك.
فإن استغرق الدَّاعي إلى الله فترة طويلة من الزَّمن وهو يتودَّد ويتحبَّب دون أنْ يفرِّط بحدٍّ شرعيٍّ فهذا أمرٌ هامٌّ، ولكنْ لا يخاطب خطاباً مباشراً، يخاطب الخطاب غيرَ المباشر فترةً طويلةً من الزَّمن حتَّى يتأكَّد أنَّه قد بنى لنفسه بيتاً في قلب من يخاطبه، بيتاً لا يمكن أنْ يخرج منه حتَّى يتأكَّد أنه قد أرسى قواعد الثَّبات في قلب من يخاطبه عندها يمكن أنْ يبدأ بخطاب العقل خطاباً مباشراً…
أربعون، ثم ثلاثة وعشرون، ثم انتقلت الدَّعوة المباشرة إلى أنْ ينقسم أيضا في دعوته إلى مرحلتين، وهو عليه الصَّلاة والسَّلام يدعو ولكنَّ هذا المنهج يُدعى به، فهو عليه الصَّلاة والسَّلام لا يخطِّط (كيف سوف أدعوهم الآن وكيف سوف أدعو بعد ذلك)… وإنَّما الله جلَّ وعلا ينفِّذ به هذه الخطَّة حتَّى تُتَّخذَ بالنِّسبة لنا منهجاً نسير عليه…
ثلاثة عشر عاماً في الدَّعوة المباشرة لخطاب الفكر، وعشرة أعوام لإنتاج السُّلوك، فالشَّجرة إنْ لم يُعتنى ببناء جذورها أو إنْ كانت جذورها ضعيفةً فلا يُرجى لها أنْ تُثمر ثمراً طيباً مباركاً، والبناء إنْ اُعتُنيَ بمظاهره وزينته والأحجار الَّتي يُبنى بها دون أنْ يُعتنى بأساساته فإنَّ هذا غباءٌ بمن يبني، لأنَّه يعتني بما يظهر ظانَّاً أنَّ الَّذي يظهر أهمُّ من الَّذي يخفى، ولكن لو فكَّر قليلاً لَعَلِمَ أنَّ هذه المظاهرَ الجليةَ كُلَّها قابلةٌ للانهيارِ بين اللَّحظةِ والأخرى، إنْ لم تكُن الأساساتُ ثابتة، وبالمقابل إذا كانت الأساساتُ ثابتةً كلَّ الثَّبات وإنْ كانت المظاهرُ عاديَّة بعض الشَّيء، فإنَّها قابلةٌ للتَّطويرِ مع الزَّمن، لأنَّه قدْ أَمِنَ من قِبَل الأساس من قبل الأعمدة الَّتي عليها يؤسَّسُ البناء.
وكذلك الفارق بين داعٍ يخاطبُ السُّلوك بغضِّ النَّظرِ عمَّا أنتج السُّلوك، (هو الحالة العامَّة للدُّعاة في هذه الأزمنة)، وما بين داعٍ يُخاطِبُ الفِكْرَ عسى هذا الفِكْرُ يُنْتِجُ سلوكاً مع ربط الفكرُ بالسُّلوك، لأنَّنا مِنْ هذه النَّاحية نرى الدَّعاة فِئتَيْن:
فِئَة خاطَبَت السُّلوك بِغَضِّ النَّظرِ عن السَّبب، فترى هؤلاء الفِئة يسعَونَ إلى جَعْلِ النَّاسِ صالحيْن، والنَّاسُ يصيرونَ صالحيْن، ولكنَّهُم لا يثبُتون على ذلك، لا يثبُتون على ذلك بسببِ أنَّ الأساسَ الَّذي أدَّى إلى العمل ضعيف.
وفِئَةٌ أُخرى يُخاطِبُون الفِكر خِطاباً أشبهَ بالفلسفةِ بِغضِّ النَّظرِ عن الثَّمرات السُّلوكية، فالسَّامِعُ لهذا الكلامِ لا يعرفُ ماذا يفعَل وكيفَ يُطَبِّقُ هذا الكلام، يصعُب عليه فيكون أشبه بالتَّرَف الفِكري الَّذي لا مجالَ للتَّطبيقِ العملي فيه.
والوسَطُ هو أنْ نبتَدِئَ بالفكر دون أنْ نُعَطِّلَ السُّلوك بعده.
ثلاثةَ عشَرَ عاماً ‹‹الدَّعوة فيها أكيد أهم من العشرة أعوام؛ ولكن في عشرة أعوام بعدها›› ما تُوقَّفَ عِنْدَ دعوةِ الفكرِ وخِطابَهُ، فبُنِيَتْ أفكارُ النَّاسِ في مكةَ المكرَّمةَ، من هُنا كانت الآياتُ المكيَّةُ غالبُها تتكلَّمُ عن أصولِ الفكرِ الإسلامي، أصولِ العقيدةِ الإيمانيةِ؛ عن البعْثِ والنُّشُور، عن صفاتِ الله سُبحانهُ، عن الأنبياءِ السَّابقين، عن أخبارِ الأُممِ السَّابقة، عن مَظاهرِ عَظمةِ الله جلَّ وعَلا في كونه، هذه الأُمُور هي كُلُّ ما نَزَلَ في مكَّةَ المكرَّمة.
ثُمَ جاءتِ الفتْرةُ المَدَنِيَّةُ حَيْثُ النَّاس بَلغُوا درجةً عاليةً مِنْ ثَباتِ الإيمانِ، صاروا مُستعدِّينَ لأنْ يمتَثِلوا، حتَّى بلغَ أحدُهم وهو عمرُ بنُ الخطَّابِ -رِضوانُ الله عليه- أنْ نَتَجَ السُّلوك عِنده بِفضل الفكر الَّذي بُنِيَ مِنْ دُون أنْ يُنزِيلَهُ اللهُ جَلَّ وعَلا، فعمرُ بنُ الخطَّابِ هو الَّذي كان يُطالِبُ بتحريمِ الخمرِ قبلَ أنْ تُحرَّمَ الخمرُ، وذلك أنَّ فِكرهُ قدْ أُصْلِحَ، فما كان هناك إشكالٌ في نُزُولِ حُكْمٍ تشريعيٍّ سُلوكيٍّ؛ بلْ إنَّهُم كانوا يُطالبونَ بالأحكامِ قبلَ أنْ تَنْزِل، ولْنَقُلْ يتوقَّعُون الأحكامَ قبلَ أنْ تَنْزِل، يتوقعونها لأنَّ فكرَهم قد صَلُح (ليس كل الأحكام)…
فعُمَرُ كان يقولُ دائماً: أرجو أنْ يُنزلَ اللهُ في أمرِ هذه الخمرةِ شيئاً، وكلما أُنْزِلتْ آيةٌ مِنَ المراحل المتعاقبة لِتحريمِ الخمر يقولُ عمر: ليس بعد، ليس بعد، أَتَوهُ قالوا: يا عُمر أنزلَ اللهُ تَعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيْلِ وَالأَعْنَابِ تَتَخِذُونَ مِنْه ُسَكَرَاً وِرِزْقَاً حَسَنَاً} قال: ليسَ بعْد أسْأَلُ اللهَ وأرجو أنْ يُنزِلَ اللهُ في أمْرِ الخمرةِ شيئاً، أَتَوه قالوا: يا عمر أنزل الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيْرٌ وَمَنَافِعُ لِلْنَّاسِ} قال: ليسَ بعْد أسألُ اللهَ أنْ يُنزلَ في أمرِ الخمرةِ شيئاً، أتَوهُ قالوا: يا عمر أنزل اللهُ: {يا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكَارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} قال: ليس بعد، أَتَوهُ قالوا: يا عمر أنزلَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونْ *إِنَّمَا يُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ*} قال: انتهَيْنا يا ربُّ انتهَيْنا يا ربُّ… الآن وصَلْنا إلى ما كُنَّا نبتغي، أُصْلِحَ فِكرهُ فتَوَقَعَ الثَّمَرةَ السُّلوكيةَ قبل أنْ تَنْزِل.
في المُقابِل ذاكَ الرَّجلُ الشَّاعِرُ ما أُصْلِحَ فكره، وبالتَّالي حتَّى نُزُولُ الآيةِ بالنِّسبةِ لهُ ما أدَّى إلى إِصْلاحِ سلوكٍ، قال لهُ أحدُ الخُلفاء: أَلا تتوبُ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ؟! قال: أنا يا أميرَ المؤمنين قرأتُ القُرآنَ مِنَ الدَّفَّة إلى الدَّفَّة فما وجدتُ فيه تحريماً! إِنَّما وجدتُ اللهَ يقول: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون} فقُلْتُ: لا، اللهُ يسألُني وأنا أجَبْتُهُ! هذا لأنَّه ما صَلُح فكره لذلك مَهْما حاولْتَ أنْ تُقْنِعَهُ تقولُ له هذا الأمرُ حرام…
في زماننا كثيرٌ من المحرَّماتِ ما أُنْزِلَ بها نُصوصٌ قاطعةُ، ولكن فِيها قِياسُ قاطعٌ، فِيها اِسْتِدْلالٌ قاطِعٌ لا يحتاجُ الأمْرُ إلى نُصوصٍ دائماً، يقول لك: أعطِني نصَّاً، تقولُ: يا أَخِي كُلُّ الأدِلَّةِ المُحيطة المُصاحبة تَدُلُ عليه أنَّه الحرام، يقول: أُرِيدُ نَصَّاً!! هذا لأنَّه ما صَلُحَ فكرهُ.
وقد يقول: هذا أمرُ هُناكَ نَهيٌ عنهُ، ولكنْ هذا النَّهيُ لِلكراهةِ لا للتَّحريمِ لذلك لا تَقُلْ لي هذا حرام أنا سَوفَ أفعَلُهُ هذا مَكْرُوهٌ فَقَطْ. نقول لهُ: يا أخي مُجرَّدُ النَّهي يَنبغي أنْ تكونَ وَرِعاً فتَدَعَ كُلَّ مَا نُهي عَنهُ، مُجرَّدَ النَّهي كافٍ لِأَنْ تَدَعَ وأَنْ تُقلع. هذا ما صَلُحَ فِكْرُهُ…
لَو صَلُحَ فكره لَقالَ قبلَ أنْ يسمعَ الآيةَ: أنا أرى هذا الأمرَ لا ينبغي فِعْلُه ولكن لا أقولُ حرام لأنَّ مَسألةَ الحرامِ مسألةٌ شرعيةٌ تحتاجُ إلى نصٍ، ولكنْ أرى أنَّهُ لا ينبغي فِعلُه لِرَجُلٍ يتَّقِي اللهَ ولِرَجُلٍ صاحبِ فكرٍ مُتوازنٍ.
مِنْ هُنا ابتُدِئ بِمَكَّةَ بذلك فصَلُحَتْ أفكارُهُم حتَّى أُنْتِج السُّلوك عندهُم بسهولةٍ ويُسرٍ؛ حتَّى إذا نَزَل تحريمُ الخمرِ فاضَتْ سِكَكُ المدينةِ بالخمرِ لأنَّ الدَّعوةَ كانتْ تُطَبَّقُ بِطَرِيقَةٍ موضوعيَّةٍ دقيقةٍ تُخاطِبُ النُّفُوسَ البشريَّةَ بِما تَفْهَم.
هذا أوَّلُ أمرٍ يُميِّزُ الآياتِ المكيَّة عن مثيلاتِها المدنيَّة، هذا الأمرُ يقتضي أموراً أُخرى نراها من المميزاتِ، فما دامت الآياتُ في مكةَ آياتٍ فكريةً اعتقاديَّةً؛ فالفكرُ والاعتقادُ لا يحتاجُ إلى إسهابٍ وإنَّمَا يحتاجُ إلى اخْتِزَالٍ، وهذا ما كان في الآياتِ المكيَّة والسُّوَرِ المكيَّة على حدٍ سواءٍ، وأمَّا التَّشريعُ والتَّفصيلُ… في المدينةِ فُصِّلَ ما كان قد أُجْمِلَ في مكة وأُظْهِرَ ما كان قد أُخْفِيَ في مكة، فإنَّ التَّشريعَ يحتاجُ إلى إسهابٍ وإطالةٍ وهذا ما رأيناهُ في الآياتِ المدنيةِ وفي السُّوَرِ المدنيةِ على حدٍ سواء، فمُجْمَلُ الآياتِ المكيَّةِ آياتٌ قِصَارٌ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوثَرْ * فصَلِّ لِرَبِكَ وَانْحَرْ * إن شانئك هو الأبتر *} .
فارقٌ آخر هو أنَّ الآيات المَكيَّة تنقس نقساً، وتُخاطِبُ بِشدَّةٍ ولُطفٍ مُجتمِعَين، فهي تُخاطبُ الفكر وتُخاطبُ العاطفةَ، فبعدما انْتَقَلَ من الدَّعوةِ لِلعاطفة وغيرِ المُباشرة إلى الدَّعوة لِلفكر ما أُهمِلتِ العاطفة وإنَّمَا شُفعت بِالفكر، شُفعت بِمُخاطبةِ العقْلِ في الدَّعوةِ المباشرةِ، فالخِطابُ من هذا النَّوعِ يحتاجُ إلى أنْ يكونَ خِطاباً مُكثَّفاً وخِطاباً فيه تَنبيه، والتَّنبيهُ يَقتضي قِصَرَ العباراتِ حتَّى ينتبهَ المُستمعُ أكْثَر، ترى ذلك أيضاً في السُّورِ، مُجملُ السُّورِ المكيَّة قِصار أو أوساط، قِصارُ السُّور -مُعظمُها ليسَ كُلُّها- مُعظمُها مكيَّة (مثلاً سُورةُ النَّصر قلنا استثناءً سورةٌ مدنيَّة وهي قصيرةٌ).
أمَّا في المدينة فالحالُ اخْتَلَفَ فأطولُ سُورةٍ في القُرْآن سورةُ البقرة، هي سورةٌ مدنيَّةٌ، وهي سورةٌ مَليئةٌ بالتَّشريعاتِ، فهي أولُ سورةٍ مدنيَّةٍ، أولُ سورة نَزَلتْ في المدينة البقرة، كما أنَّ آخرَ سورةٍ نَزَلتْ في مكّة سورةُ المُطفِّفين، وأطولُ آيةٍ في القُرآنِ هي آيةُ من سورةِ البقرة (آية المداينة) {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً فَاكْتُبُوهُ} وهيَ في سورةِ البقرةِ أيضاً فهيَ مدنيَّة، فهذا فارقٌ بينهُما.
فارقٌ آخر غالباً ما نراهُ لا بِشكلٍ مُطَّرِدٍ دائماً وإنَّما نقولُ غالباً، أنَّ الخِطابَ في مكةَ كانَ غالباً ما يكون: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وأمَّا الخِطابُ في المدينةِ فغالباً كانَ: {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا} بِوجودِ استثناءاتٍ، وذلك أنَّ المُسلمينَ في مكةَ ما كانَ لهُم ذلك الكَيانُ المُستقلُ ما كانَ لهُم ذلك التَّفَرُّدُ فَرَتَّبَ على ذلكَ أحكامٌ كثيرةٌ بأنْ لا تكون لهم تشريعاتٌ خاصَّةٌ بِهِمْ، فما كانَ هناكَ زكاةٌ، وما كانَ هُناك تنظيمٌ للزَّواجِ وما إلى هُنالِك كُلُّ ذلكَ كانَ في المدينة، سورةُ البقرة، سورةُ النِّساء، سورةُ الطَّلاق، سورةُ الأحزاب، سورةُ النُّور، كُلُّ هذه التَّفصيلاتِ التَّشريعيةِ في هذه السُّور وغَيْرِها كانَ في المدينةِ المنورةِ.
تَرَتَّبَ على ذلك أيضاً عدمُ وجودِ صلاةِ جُمُعة، الصَّلاةُ مَشروعةٌ من زمنٍ بعيدٍ ولكن فُرِضَتْ في ليلةِ المِعْرَاجِ، قبلَ ذلك كانتْ مشروعةً ولكن ما كانتْ مفروضةً، فُرِضَتْ الصَّلَواتُ الخَمسُ ثمَّ بعدَ ذلك فُرِضَتْ صلاةُ الجُمُعة على رسول الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام وهو في مكَّة، ولكنْ لمْ يُصَلِّها بَلْ أرْسَل إلى سَفيرهِ إلى المدينة ومُمَثِلِه فيها -مُصْعَبَ بنَ عُمَيْر رِضوان اللهِ عليه- وأَمَرَهُ أنْ يُصَلِّي الجُمُعَة بِالمُسلمين في المدينة وصلَّى مُصعبُ بن عُميْر الجُمُعةَ الأُولى في الإسلام في دارِ أسعدَ بنْ زرارة -رضي اللهُ تعالى عنه- وذلك أنَّ حالَ المُسلمينَ في مكَّةَ لا يتناسَبُ معهُ اجْتَماعُهُم وتَفَرُّدُهُم وتَكَتُّلُهُم.
من أجْلِ ذلكَ أيضاً ما كانَ لهُم أذانٌ وإنَّما الأذانُ شُرِعَ في المدينةِ المنورةِ بعدَ الهجرةِ بعام، بالقصةِ المعروفةِ قصةِ المنامِ الَّذي رآه عبد اللهِ بن زيدِ بن عبدِ ربهِ -رضي الله تعالى عنه- ورآهُ عمرُ بنُ الخطابِ -رضي الله عنه- رَأَيَا المَنامَ وأَقَرَّ النَّبي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الأذانَ الَّذي رأياه، في مكةَ كان الحالُ غيرُ مُتناسبٍ معَ التَّكَتُّلِ والتَّجَمٌّعِ.
من هُنا كانَ الخطابُ الإلهيُ الغالبُ في مَكَّةَ المُكرَّمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فهوَ يدْعُو النَّاسَ عُمُوماً لِكي يَدخُلوا في دائرةِ الإسلامِ، هذه الدَّائرة الَّتي لم تُوضَع لها حُدود فلم يُوضَع بعدْ وسائل للتَّمييزِ بينَ المعاملةِ بينَ المسلمِ والمسلم، وبينَ المسلمِِ والكافر بشكلٍ دقيقٍ كما نُظّمتْ في المدينةِ، هذه التَّفاصيلُ الَّتي تُعَبِّرُ عن أُصُولِ التَّعامُلِ بينَ المُسلمِ وغيرهِ من غيرِ المُسلمين إنَّما فصّلت في المدينةِ، بين المسلم وأهل الكتاب، بينَ المسلمِ والمشركين، علاقةُ الجهادِ ما كانتْ في مكَّة إنَّمَا كانتْ بعدَ ذلك {أُذِنَ لِلَذِيْنَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهٌمْ ظُلِمُوا} ، علاقَةُ المسلمِ مع أَهْلِ الكِتَابِ [لا تَبدؤوا أهل الكتابِ بِالسَّلام]، هذه إنَّما كانتْ بعدَ أنْ قَوِيَتْ شَوْكَةُ المُسلمين وصَارتْ لهُم كُتْلة، لِأَجل ذلك كان الخِطابُ في مَكَّة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، فلمَّا أنْ صارتْ لهم الكُتْلَة وقَوِيَتْ شَوْكَتُهُم في المدينةِ صارَ اللهُ يُخاطِبُهُمْ عُمُوماً: {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا} مع عَدمِ إِغْفَالِ بَعْضِ الخِطاباتِ العامَّة في بعض الأَحيان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} مثل خطابه بذلك في سورةِ الحُجُراتِ على سبيل المثال وفي غيرها في المدينة المنورة ولكن هذه الحالة الغالبة.
من هُنا فإنَّ البلاغةَ الظَّاهرةَ في الآياتِ المكيَّة أكثرُ منها في الآيات المدنيَّة، ونقول البلاغةَ الظَّاهرةَ لأنَّ آيات التَّشريع الَّتي هي آياتِ مدنيَّة قد يظنُّ العبد أنَّها تَخْلُو منَ البلاغةِ، ولكنَّ المُدقِّقَ المُمَحِّصَ يرى فيها من البلاغةِ ما هو عَظيمٌ من وجهٍ أكثر من عظَم الآياتِ المكيَّةِ، هذا الوجه هو أنَّ هذه الآياتِ يَصْعُبُ أنْ تكونَ بليغةً بحكم أنَّها آياتٌ تشريعيَّةٌ «فهمنا الله عبيحكي عن الآخرة عن الجنَّة والنَّار» مُمكن أنْ يكونَ في ذلك بلاغة {إِنَّ يَومَ الفَصْلِ كانَ مِيْقَاتَاً * يَومَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فتَأْتُونَ أَفْواجَاً *} إلى ما هُنالك؛ وأمَّا يتَكلَّمُ عن الزَّواجِ والمحرَّماتِ وعن تحريمِ الزِّنا وعن حدِّ السَّرِقَة… وما إلى هُنالِكَ فإنَّ الغالِبَ أنَّهُ يَصْعُبُ البلاغةُ في مِثلِ هذا المَوضِعِ، فكيفَ إذا اكْتَشَفْتَ بلاغةً خافيةً في آياتِ التَّشريعِ! هذا منْ عِظَمِ بلاغةِ القرآنِ، هُناك فيها بلاغةٌ خافيةٌ تحتاجُ إلى تَدقِيقٍ وتَمحِيصٍ كبيريْن، ولكن أجمعَ العُلَماءُ على أنَّ بعضَ القرآنِ أفْصَحُ منَ البعضِ الآخَرِ، فهوَ أفْصَحُ الكلامِ ولكنَّهُ يتفاوتُ في فصاحَتِهِ وبلاغَتِهِ، فليسَ كُلُّهُ على مُستَوى فَصَاحَةٍ واحدٍ وهذا ليسَ نَقِيْصَةً في القرآنِ بل هو مَظهرٌ منْ مَظَاهرِ كَمالِهِ.
من هُنا اخْتَرنا أنْ نَتَكَلَّمَ عن سُورةِ النَّبَأِ على وجْهِ الخُصُوصِ لأنَّها سُورةٌ مَكيَّة فيها أصولُ الاعتقادِ الإيمانيِّ الَّذي يتَمَثَّلُ بأَمرَين: الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخِرِ، اللهُ جلَّ وعَلا أمَرنا بِهِما ثمَّ أمَرنا بأمُورٍ أُخرى، فجُعِلَ الإيمانُ باللهِ أوَّلاً والإيمانُ باليومِ الآخِرِ آخراً من الأركانِ الخمسةِ للإيمان فضلاً عن الإيمانِ بالقَدَرِ الَّذي هو فَرعٌ عنها، لأنَّ الإيمانَ بالقَدَرِ فَرْعٌ منْ فُرُوعِ الإيمانِ باللهِ إذا أرَدْنا التَّفصيلَ… لأنَّ المُؤمِنَ بالله مُؤمِنٌ بصفاتِ اللهِ كُلِّها، ومنْ صِفاتِ الله العِلمُ الأزَليُّ لِكُلِّ شَيء سَيَكون، وهذا هو القَدَرْ، ومنْ صِفاتِ الله الإرادة أيْ أنَّه يَفعلُ ما يُريد، فهَذَانِ الأمْرَانِ هُما ما يُعبَّرُ عنهما بالقَدَرِ أو بِالقَضَاءِ، والمُصْطَلَحُ القُرآنيُّ والنَّبويُّ غالباً هو القَدَرِ وليسَ القضاء، فمِنْ هُنا كان الإيمانُ بالقَدَرِ فَرْعَاً مِنْ فُروعِ الإيمانِ بالله فكانتْ أركانُ الإيمانِ خَمسةً والسَّادسُ فَرْعَاً لِلأوَّل منها.
الإيمانُ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليومِ الآخِرِ، قال والقدر، لاحظ كيف أشار النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام إشارةً لطيفةً إلى أنَّ الإيمانَ بالقدر فرعٌ عندما أجابَ جبريلَ -عليه السَّلام- لِسؤاله: [فأَخْبِرني عن الإيمان. قالَ: أنْ تُؤمِنَ باللهِ ومَلائِكتِه وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليومِ الآخرِ وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ] ما قال وَالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّهِ؛ بلْ فَصَلَ بقولهِ وتُؤمنَ بالقدرِ خيرهِ وشرهِ وكأنَّ هذا خارجٌ عنِ التَّرتيبِ الَّذي رُتِّبَتْ عليه الأركانُ الخمسةُ الأولى، فالأركان الخمسةُ الأُولى مُرتَّبةٌ وأمَّا السَّادس فهو فَرعُ.
الإيمانِ باللهِ يُنْزِلُ الشَّرعَ عن طريقِ الملائكةِ مُمثلاً بِكتاب على رُسُل لِكي يَدعو إلى الإيمانِ باليومِ الآخرِ هكذا رُتِّبَتْ أركانُ الإيمان الخمسة وهكذا علِمْنَا أنَّ الجامِعَ لهَا جَميعاً أولها وآخرها {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أُجْمِلت الأركان الاثنين وقال:{وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} ففُصِّلت ها هنا، فهذان الرُّكنان اللَّذان هما الإيمان بالله واليوم الآخر قد فُصِّلا في سورة النَّبأ، من هنا كانت هامَّةً جداً من حيث الاعتقاد ومن حيث العلوم الَّتي فيها، العلوم العظيمة الكونيَّة الَّتي فيها، وذلك أن العلوم الكونيَّة تحتاج إلى آيات كونيَّة لذلك غالباً ما رأينا العلوم الكونيَّة تأتي الإشاراتُ إليها في سور مكَّة في سور ما قبل الهِجرة أكثر من سور ما بعد الهجرة مع عدم خلو الأخرى منها ولكن بنسبةٍ أقلّ.
تسميةُ هذه السُّورة بسورة النَّبأ، ثم تسمية باقي السُّور بأسمائها أكان اجتهادياً أم توقيفياً؟ وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر: وضْع السُّورة في هذا الموضع في هذا الجزء من بعد سورة المرسلات من قبل سورة النَّازعات أاجتهاديٌ أيضاً أم توقيفي؟ ثم ترتيب الآيات ضمن السُّورة الواحدة أهو اجتهاديٌ أم توقيفي؟
أمَّا ترتيب الآيات في السُّورة فهو توقيفيٌ مُجْمَعٌ على ذلك، مع أنَّ النُّزول ما كان مرتَّباً، فسورة البقرة نزلتْ على فتراتٍ متباعدةٍ ولربما تداخلت السُّور مع بعضها في النُّزول، فنزلت آياتٌ من سورة ثم نزلت آياتٌ من سورة أُخْرى ثم نزلت آياتٌ من سورةٍ ثالثة، ثم عِيْدَ إلى السُّورة الأولى وهكذا… ولربما ما نزلت الآيات مرتبةً، نزلت آياتٌ من آخر السُّورة ثم نزلت آياتٌ من أولها، ولكنَّ جبريل عليه السَّلام بكل آيةٍ ينزل بها يقول: ضعْ هذه الآية قبل آية كذا من سورة كذا… هذا ما ثبت لنا، ضع آية كذا قبل آية كذا وبعد آية كذا من سورة كذا، تُرتَّب الآيات ضمن السُّورة الواحدة، من هنا لمَّا تكلَّمنا في تفسير بعض سور القرآن الكريم كسورة الحُجُرات أو غيرها كنَّا نتكلَّم عن الإعجاز في التَّرتيب، وعن النِّظام في وضع الآية قبل الآية وبعد الآية لأنَّ هذا توقيفيٌّ من الله تعالى.
وأمَّا ترتيب السُّور إِثْرَ بعضها فإنَّّّ هذا أمرٌ مُختلَفٌ فيه، قال بعض العلماء إنَّ هذا أمرٌ اجتهاديٌ، وقال آخرون توقيفي، فالَّذين قالوا إنَّه توقيفي قالوا: هذا قرآن مُعظَّم ولابدَّ من أن يكون شيءٌ كهذا الأمر الخطير -ألا وهو ترتيب السُّور- أمراً منزلاً من الله تعالى.
وأمَّا الآخرون فإنَّهم استدلُّوا بدليل (الَّذين قالوا أنَّه اجتهادي) ألا وهو صلاة النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام في قيام اللَّيل بأصحابه وقراءته لهم سورة البقرة ثمَّ سورة النِّساء ثمَّ سورة آل عمران كما في الحديث الصَّحيح فيه قال: ]صلَّيتُ خلْف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذات ليلةٍ فافتتح البقرة فقلت يركع عند المئة فمضى فقلت يركع بها فمضى فافتتح النِّساء فقلت يختِم بها فمضى فافتتح آل عِمْران فقلت يختِم بها فختَم بها، ثمَّ ركع فكان رُكوعه نحواً من ذلك، ثمَّ اعتدل فكان اعتداله نحواً من ذلك، ثمَّ سجد فكان سُجوده نحواً من ذلك… وهكذا في كُلِّ صلاته يقرأ مُترسِّلاً، إذا مرَّ بآية فيها رحمة سأل، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها خوف تعَّوذ[ فقالوا من هنا النِّساء قُرِأتْ قبل آل عِمران هذا فضلاً عن أنَّ المُصحف لم يُجْمع في حياة النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام.
فما الدَّليل على أنَّ هذه السُّور قد رُتِّبت وحياً؟ قالوا إذاً زيد بن ثابتٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه الَّذي جمع المصحف هو الَّذي اجتهد فرتَّب السُّور بهذا الشَّكل في عهد خلافة أبي بكر ٍالصِّدِّيق رضوان الله تعالى عليه، حتَّى لو كان هذا القول صواباً وهو الظَّاهر أنَّه هو الأصْوَب، فإنَّنا لا ننتقص بذلك من قداسة ترتيب السُّور واحدة إِثْرَ الأُخرى، وذلك لأنَّ الأمْرَ وإنْ لم يكنْ من حيّز المسائل المنصوص عليها فهو من نوع المسائل المُجمع عليها، إنْ لم يكن في ذلك نصٌّ من جبريل عليه السَّلام فعلى الأقلّ هناك إجماعٌ من كلِّ المسلمين على الأقلّ من جيل الصَّحابة رضوان الله عليهم في عهدِ جمع المصحف على هذا التَّرتيب، فصار إِجْماعُهم مُلْزِماً لهم ولمن بعدهم، وصار يجب علينا أن نأخذ بهذا التَّرتيب فصار كلامُنا في التَّرتيب أهو اجتهاديٌ أم توقيفي من باب التَّرف الفكري لا أكثر لأنَّه سواءٌ كان اجتهادياً أم توقيفياً فإنَّه مُلْزِم لأنَّه لو كان اجتهادياً فهو مُجمع عليه فهو مُلزِم لنا هذا التَّرتيب مُلزِم.
تسمية السُّور أهي منصوصٌ عليها أم غير منصوص عليها؟ غالب الظَّنِّ أنَّها منصوصٌ عليها وذلك لورود أحاديثَ كثيرةٍ تسمي لنا سوراً بأسمائها، ولورود أنَّ جبريل عليه السَّلام كان يقول: [ضع هذه الآية بعد آية كذا من سورة كذا] يسمِّي له السُّورة، وإن اختلفت التَّسميات لبعض السُّور فإن هذا إنَّما هو من سبيل تعدُّد الاسم لا للتَّضارب والاختلاف في الاجتهاد في التَّسمية، عَرَفنا هذه السُّورة اسمها سورة النَّبأ، ولكن سور أخرى نسمع لها أكثر من اسم، ليس من باب الاجتهاد أنَّ امرأً اجتهد وآخر اجتهد فخالف اجتهادُه اجتهادَه فصار لها اسمان، ولكن قد يكون تعدَّدت الأسماء للسُّورة الواحدة، فسورة الفاتحة أسماؤها كثيرة، الله أسماها ورسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أسماها بأسماء كثيرة، والله أسماها بـ"السَّبع المثاني"، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: [هي السَّبع المثاني والقرآن العظيم الَّذي أُوتيتُه]، ورسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أسماها أيضاً بـ"أُمِّ الكتاب" فقال:[لا صلاةَ لمن لم يقرأ بأُمِّ الكتاب]، ورسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أسماها "الصَّلاة" كما في الحديثِ القُدُسيِّ قال اللهُ تعالى:[قَسَمْتُ الصَّلاة بيني وبين عبدي نِصْفَين]، يقصِدُ سورة الفاتحة، ثمَّ وردت تسمياتٌ اجتهاديَّةٌ كما سمَّاها عبد الله بن عباس "سورة الشِّفاء"، "الشَّافية"، "الكافية"، "الوافية"، قد تتعدَّد الأسماء لسورة واحدة؛ "سورة الإنسان" أو "سورة الدَّهر"، "سورة التَّوبة" أو "سورة براءة" أو "سورة الفاضحة" أو "سورة العذاب" كل تلك التَّسميات لسورةٍ واحدة، سورة "الطَّلاق" أو سورة "النِّساء الصُّغرى" تسميتان لسورة واحدة، "سورة الإسراء" أو "سورة بني إسرائيل"، "سورة السَّجدة" أو "سورة فصِّلتْ"-لسجدة فصِّلت لا لسجدة الم-، "سورة السَّجدة" أو "سورة الم تنزيل" جرياً على الكلمات الأولى، وهكذا في سور كثيرة في القرآن الكريم تعدَّدت التَّسميات ولا نقول تضاربت الرِّوايات في التَّسمية… ولكن تعددت التَّسميات للسُّورة الواحدة.
فالأسماء توقيفية، والدَّليل على أنَّها توقيفية لا اجتهادية أنَّ في كثير من الأحيان لا تعرف سبباً أو مغزىً ظاهراً لاختيار هذه الكلمة بالذَّات حتَّى تكون اسماً للسُّورة، قصة البقرة بِضْعَ آياتٍ من سورة البقرة الَّتي هي مِئَتَان وسِتٌ وثَمَانُونَ آية، وليست هي الآياتُ الأولى ولا الآيات الأخيرة، فما الَّذي جعل هذه القِصَّة تخير بالذَّات حتَّى تُسمى سورة البقرة «إذا واحد لا يعرف شيء عن القرآن يسمع "سورة البقرة" يظن أن السُّورة كلها تتكلم عن عالم الأبقار وعن التَّشريح في البقر مثلاً وعن الحياة الاجتماعية للأبقار يعني سورة في علم الحيوان، ولكن إذا قرأ يرى الكلام ما لو علاقة بالأبقار من قريب ولا من بعيد حتَّى يصل إلى قصة تتكلم: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} »، سورة الحديد مرة واحدة قال: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} لمَ اختِيْرَتْ هذه الكلمة بالذَّات لتكون اسماً للسُّورة، وهكذا في مواضعَ كثيرة، هذا دلالةٌ على أنَّ الأمرَ لا يمكن أن يكون اجتهادياً «الصَّحابة ليش اجتهدوا وأجمعوا على هالاسم بالذَّات» دليلٌ على أنَّه توقيفي؛ توقيفي لأنَّه لا يظهر له سببٌ ظاهر ومغزىً واضح.
من هنا سُمِّيت هذه السُّورة بسورة النَّبأ، النَّبأ حتَّى يسمع المرء لمَ سُمِّيَت بالنَّبأ؟ سُمِّيَت بالنَّبأ للدِّلالة على أنَّ أهمَّ شيء تتكلَّم عنه هو النَّبأ الخطير العظيم الَّذي جاء به النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام [بُعِثْتُ أنا والسَّاعة كهاتَيْن، كاد أحدُنا أن يسبِق الآخر، أنا النَّذيرُ العُريان، مثلي مثل قومٍ بعثوا طليعة فخاف أن يدرك] عَرَف أنَّ أعداءهم أعداء القبيلة مُقبِلون عليهم فخاف أن يُدرَك أراد أن يُخبر قومه (قبيلته) بإقبال أعدائهم فخلع ثيابَهُ من بعيد وصار يُلوِّح بها، هذه عادة كانتْ معروفة عند العرب يسمى هذا بالنَّذير العُريان أي (الَّذي يأتي بخبر خطير ينزع ثيابه لكي ينبه) يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: [أنا النَّذير العُريان فهو يقول لهم كما يقول النَّذير العُريان: أُتِيْتُم أُتِيْتُم]
النَّبأَ إنَّه نبأٌ خطيرٌ، يصعَدُ جبل الصَّفا بعد أن يُنزلَ الله جلَّ وعَلا عليه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ينزل عليه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} يصعد جبل الصَّفا ويقول بعد أن ينادي: [واصباحاه، واصباحاه قريش]، فيجتمعون إليه يقول: [أرأيتُم لو أنِّي أخبرتُكم أنَّ جيشاً وراءَ هذا الوادي أَكنتم مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جرَّبنا عليك كذِباً، ما أنت فينا إلا صادق… قال: فإنِّي نذيرٌ لكم بين يديّ عذابٍ شديد…] هذا هو النَّبأ، النَّبأ العظيم الَّذي يتكلَّم الله جلَّ وعَلا عنه؛ فلذلك أُسميت السُّورة بسورة النَّبأ.
وعلى كلِّ الأحوال فسوف نتكلَّم في خواطر فيما ييسر الله جل وعلا لنا خواطر أخرى فيما يتعلق بهذا النَّبأ عندما نبلغ إليه في بداية الآيات، في بداية هذه السُّورة عندما نبتدئ في كلامنا حولَ الخواطر الَّتي ييسر الله جلَّ وعَلا لنا فيها في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى والحمدُ لله ربِّ العالمين.
اللَّهمَّ إنَّا نسألُك عِلماً نافِعاً، وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وعملاً صالحاً مُتقبَّلاً، ونعوذُ بك من علمٍ لا ينفع وقلبٍ لا يخشع ونفسٍ لا تشبع وعينٍ لا تدمع وعملٍ لا يرفع ودعاءٍ لا يسمع، اللَّهمَّ إنَّك عفوٌ تحبُّ العفو فاعفُ عنَّا، اللَّهمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا اللَّهمَّ من الرَّاشدين، اللَّهمَّ ارحمنا فإنَّك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنَّك علينا قادرٌ، والطُّف بنا فيما جرت به المقادير، ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنَّا ظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنا ظالمين، اللَّهمَّ إنَّك عفوٌ تحبُّ العفو فاعفُ عنَّا، ربَّنا اغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنَّا سيئاتنا وتوفَّنا مع الأبرار، ربَّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزِنا يوم القيامة إنَّك لا تخلف الميعاد، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللَّهمَّ اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنَّا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منَّا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر لا إله إلا أنت لك الملك ولك الحمد، ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربَّنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الَّذين من قبلنا، ربَّنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنَّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، اللَّهمَّ لا توجِّه قلوبنا إلا إليك، ولا تجعل اعتمادنا إلا عليك، اللَّهمَّ لا تجعل رجاءنا إلا فيك، ولا تجعل خوفنا إلا منك، اللَّهمَّ لا تجعل ثقتنا إلا بك ولا تجعل أنسنا إلا بك، اللَّهمَّ لا تجعل حبَّنا إلا لك يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ ردَّنا إليك ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ ردَّنا إلى قرآنك ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ ردَّنا إلى رحابك ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ ردَّنا إلى الحقِّ ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ ردَّنا إلى سنَّة نبيِّك محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ طال بعادنا عنك فقرِّبنا إليك، اللَّهمَّ طال انقطاعنا عنك فَصِلنا إليك، اللَّهمَّ طال جهلنا بك فعرِّفنا عليك، اللَّهمَّ طال انقطاعنا عنك فأوصلنا إليك، اللَّهمَّ إنَّا نسألك حبَّك وحبَّ من يحبُّك وحبَّ العمل الَّذي يقرِّبنا إلى حبِّك، اللَّهمَّ كما جمعتنا على ما يرضيك حُل بيننا وبين معاصيك، واجعلنا من جملة المتحابين فيك، اللَّهمَّ اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرُّقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تدَع فينا شقيَّاً ولا محروماً، اللَّهمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، اللَّهمَّ ذكِّرنا منه ما نُسِّينا وعلِّمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء اللَّيل وأطراف النَّهار على النَّحو الَّذي يرضيك عنَّا، اللَّهمَّ اجعل القرآن حجَّةً لنا ولا تجعله حجَّةً علينا، اللَّهمَّ اجعل القرآن سائقنا إلى الجنان ولا تجعله قاذفاً بنا إلى النِّيران، اللَّهمَّ اجزِ عنَّا نبيَّنا محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم خير ما جزيت نبياً عن أمَّته، واجزِ عنَّا مشايخنا ما هم أهله يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ إنَّا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغنى، اللَّهمَّ اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدُّنيا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوَّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منَّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدُّنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا، اللَّهمَّ ولا تسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، اللَّهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللَّهمَّ حبِّبنا بالموت أشدَّ من حبِّنا في الحياة، اللَّهمَّ وحبِّبنا بالآخرة أشدَّ من حبِّنا بالدُّنيا، اللَّهمَّ وحبِّبنا بلقائك أشدَّ من حبِّنا بعبادك، اللَّهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللَّهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللَّهمَّ أصلح لنا ديننا الَّذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلِّ شرٍّ، اللَّهمَّ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفَّنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللَّهمَّ بفيضك العميم عمَّنا، واكفِنا اللَّهمَّ شرَّ ما أهمَّنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُّنَّة جمعاً توفَّنا، نلقاك اللَّهمَّ وأنت راضٍ عنَّا، نلقاك اللَّهمَّ وأنت راضٍ عنَّا، نلقاك اللَّهمَّ وأنت راضٍ عنَّا، وصلِّ اللَّهمَّ على سيِّدنا محمَّد عبدك ورسولك النَّبيِّ الأميِّ وعلى آله صحبه وسلَّم تسليماً كثيراً، والحمد لله ربِّ العالمين.

الملفات الصوتية
الملف الأول2.94 MB
الملفات النصية
الملف الأول116 KB
أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .