مواضيع متنوعة > ليلة النِّصف من شعبان2
ليلة النِّصف من شعبان2

ليلةُ النِّصف من شعبان ليلةٌ مباركة، ورد في فضلها أحادث عديدةٌ، منها ما هو ضعيفٌ ومنها ما هو صحيح، والمحصَّلة أنَّه لم يثبت في فضل ليلة النِّصف من شعبان غير حديثٍ واحدٍ رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، وهو حسنٌ بطريقَيْه....

ما روي في فضل ليلة النصف من شعبان ـ 13 شعبان ـ 1426
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، و أفضلُ الصَّلاةُ، وأتمُّ التسليم على سيِّدنا محمَّدٍ، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
اللّهمَّ أرنا الحقَّ حقّاً، وارزقنا إتِّباعهُ وحبِّبنا فيه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وكرَّهنا فيه، اللّهمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكُفر، والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللَّهمَّ آتِ نُفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكَّها، أنت وليُّها ومولاها، اللَّهمَّ اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالّين ولا مضليّن، سِلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، اللَّهمَّ إنَّا نعوذ بكَ من الهمِّ والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبةِ الدَّين وقهر الرِّجال، ومن فتنةِ المحيا والممات، وفتنةِ المسيح الدجّال، اللَّهمَّ إنَّا نسألك إيماناً لا يرتدْ، ونعيماً لا ينفدْ، وقرَّة عينٍ لا تنقطع، ومرافقة نبيَّك محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم في أعلى جنان الخلد، وصلِّ اللهمَّ على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله، وصحبه وسلّم.
ليلةُ النِّصف من شعبان ليلةٌ مباركة، ورد في فضلها أحادث عديدةٌ، منها ما هو ضعيفٌ ومنها ما هو صحيح، والمحصَّلة أنَّه لم يثبت في فضل ليلة النِّصف من شعبان غير حديثٍ واحدٍ رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، وهو حسنٌ بطريقَيْه، يقول فيه النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام: [ إنَّ الله يطَّلع ليلة النِّصف من شعبان؛ فيغفر لجميع خلقه؛ إلاّ لمشركٍ أو مشاحن ] وفي روايةٍ أخرى: [ إنَّ الله يطّلع إلى خلقه في ليلة النِّصف من شعبان؛ فيغفر لهم جميعاً؛ إلا لمشاحنٍ وقاطعِ رحم ] أو كما قال عليه الصّلاة والسّلام، فهذا الحديث هو الوحيد الذي ثبت، ويحتجُّ به في فضل هذه اللّّيلة، قد وردت أحاديثٌ أخرى مشهورةٌ أكثر من هذا الحديث، ومتداولةٌ على ألسنةِ الوعّاظ والخطباء والعامّة أكثر ممّا أنْ يكون هذا الحديث معروفاً عندهم، مع أنَّ هذا الحديث هو الصَّحيح، وما سواه ضعيف، ومن ضمنها أنَّ النبيَّ عليه الصّلاة والسّلام قال: [ إنَّ الله يغفر في هذه اللَّيلة لبشرٍ بعدد شعر غنم كلب ] أيْ ( غنم قبيلةِ كلبٍ، وكانت مشهورةً بكثرة أغنامها ) وهو حديثٌ في إسناده ضعف، وأكثر هذه الأحاديث شهرة حديث: [ إذا كانت ليلة النِّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها؛ فإنَّ الله ينزل لغروب الشَّمس إلى السماء الدُّنيا فيقول: ألا من مستغفرٍ؛ فأغفر له، ألا من سائلٍ؛ فأعطيه، ألا كذا، ألا كذا… حتّى يطلع الفجر ] هذا الحديث رواه ابن ماجة في سننه، ولم يروه غير ابن ماجة، وابن ماجة رواه من طريقٍ واحد لم يروه من طريقٍ آخر، وهذا الإسناد الوحيد الَّذي ورد الحديث به إسنادٌ ضعيفٌ، وليس ضعفه من نوع الضعف المعفُوِ عنه، ولا من نوع الضعف المجبور الَّذي يُأخذ به في فضائل الأعمال، لأنَّ العلماء قد حدَّدوا شروطاً للعمل بالحديث الضَّعيف في باب فضائل الأعمال، وهذا أمرٌ ليس متَّفقاً عليه على الإطلاق بين العلماء.
علماء الحديثِ في هذه المسألة لهم مذهبان؛ فبعضهم قال: لا يعمل بالحديث الضعيف أبداً، والبعض قال: يُعمَل بالحديث الضعيف في الترغيب والترهيب، وفي فضائل الأعمال إذا توافرت فيه هذه الشروط، هؤلاء إذاً هم الذين تساهلوا فقالوا: يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال متساهلين، ولكنَّهم وضعوا شروطاً:
الشرط الأوَّل: أنْ لا يكون الضعف شديداً، فهناك درجاتٌ للضعف كما أنَّ هناك درجاتٍ للصحّة، فالحديث الحسن من أنواع الصحيح، ولكنَّه دون الحديث الصحيح في المرتبة، والحديث الصحيح إذا كانَ من حديث الآحاد ليس مثلَ الحديث المتواتر في المرتبة، والصحيح الَّذي يرويه غيرُ البخاريِّ ومسلمٍ؛ ليس مثل الحديث الَّذي يرويه البخاريّ أو مسلمٌ في المرتبة، والَّذي يرويه مسلم ليس كالَّذي يرويه البخاريّ، والَّذي يرويه البخاريّ ليس كالَّذي يرويه الشيخان البخاريّ ومسلم، إذاً الصحيح له درجات أَيْ ( الثابت المعمول به له درجات ) فالحسن نوعٌ من أنواع الصحيح، وكذلك الضعيف له درجات، وهناك ضعفٌ يسيرٌ، وهناك ضعفٌ شديد، يقالُ:هذا حديثٌ ضعيف، ويُقال: هذا حديثٌ منكر، وحديثٌ تالف، وهناك حديثٌ إسناده واهٍ.
إذاً الشرط الأوَّل للعمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال أنْ يكون ضعفه يسيراً، من بابٍ أولى إذاً أنَّ لا يُعمَل بالحديث الموضوع في فضائل الأعمال، كما قال علماءُ المصطلح… الموضوع لا يسمّى حديثاً أصلاً، إنَّما يقال له حديث لأنَّه يذكر بعد ذكر أنواع الأحاديث الصحيح، والحسن، والضعيف، أمَّا الموضوع فليس حديثاً، لأننّا متأكدون أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لم يقله، وهو ليس حديثاً بخلاف الحديث الضعيف هو يُنسب للنبيِّ عليه الصلاة والسلام ولكن يشكُّ في هذه النسبة فلذلك يقال له حديث ولكن لا يعمل به، إذا كان شديد الضعف إذاً لا يعمل به، ولا في فضائل الأعمال.
الشرط الثاني: أنْ يكون لهذا المعنى الَّذي في الحديث أصلٌ عامٌّ، فإذا كان الحديث الضعيف يخترع لنا عبادةً لا يوجد لها أصلٌ أبداً في الشَّرع، ولا يوجد أيُّ وجهٍ يدلُّ على مشروعيّتها في أحديث أخرى؛ فلا يعمل بهذا الحديث لا بدّ أنْ يكون له – ثانياً – أصلٌ عامٌّ، وسوف نرى أمثلةً ينطبق عليها كلُّ هذه الشروط بعد قليل.
الشرط الثَّالث: لا ينبغي أن يكون لهذا الحديث الضَّعيف معارضٌ في السنَّةِ الصحيحة أو القرآن، إذا كان الحديث الضعيف يأمر بأمرٍ وهناك أحاديث صحيحة تنهى عنه؛ فلا يمكن أنْ نعمل بالحديث الضعيف في هذه الحالة، كما في بعض الأحاديث أنَّ النبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام علَّم صلاةً في ركوعها قراءةُ بعض السُّور« طيِّب » في الحديث الصحيح المرويُّ عن سيِّدنا عليٍّ كرَّم الله وجهه: [ أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام نهاه أن يقرأ شيئاً من القرآن في الركوع وفي السجود ] هذا واضح، فالحديث الضّعيف الَّذي فيه قراءة سورة كذا، وسورة كذا في الركوع؛ لا يمكن أنْ يُعمل به لأنَّه يخلف حديثاً صحيحاً.
الشرط الرابع: بعد توافر كلِّ هذه الشروط؛ لا ينبغي أنْ يعتقد بثبوت هذا الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، نعمل به إذا توافرت الشروط الثلاثة الأولى، ولا نعتقد أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلًّم قاله، فإذا كان فيه ثواب عملٍ صالح؛ فإنّنا نعمل بهذا العمل الصالح دون أنْ نجزم بأنَّ لنا هذا الثواب؛لأننّا لسنا متأكِدين أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال هذا الحديث.
وهناك شرطٌ خامسٌ قاله بعض العلماء: لا بدَّ من التنبيه إلى ضعف هذا الحديث عند روايته، إمَّا بشكلٍ صريحٍ، أو بشكلٍ غير صريح، بالشكل الصريح: ( رُويَ عن رسول صلَّى الله عليه وسلّم في حديثٍ ضعيفٍ أنَّه قال )، وبشكلٍ غير صريح بأنْ يذكر هذا الحديث معزوّاً إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم بصيغةٍ من صيغ التَّضعيف أو التمريض فيقول: ( رُويَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم )، ( كما رويَ في الحديث )…، ولا يجوز له أنْ يقول: ( قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم )، إذا قال: ( قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ) فهذا عند أهل الاختصاص جزمٌ بصحّة الحديث، فإنْ كان يعلم هذا الحديث ضعيفاً؛ فلا يجوز أنْ يستخدم هذه الصيغة، وهذا الأمر مطلوبٌ وخاصّةً في هذا الزَّمان حيث اختلطت الأحاديث الصحيحة بالضَّعيفة والموضوعة، فينبغي أنْ يتنبَّه العلماء إلى هذه المسألة، وأن لا يذكروا الحديث الضَّعيف إلا مع توافر هذه الشُّروط، ومع التَّنبيه إلى ضعفه.
تأخذ مثالاً لحديثٍ ضعيفٍ يُعمل به في فضائل الأعمال: قراءة سورة الواقعة ليلاً، هذه القراءة لم تثبت في حديثٍ صحيحٍ إنَّما جاءت في بعض الأحاديث الضَّعيفة؛ أشهرها: [ من قرأ سورة الواقعة في كلِّ ليلة لم تصبه فاقةٌ أبداً ]، حديثٌ آخر: [ سورة الواقعة سورة الغنى ]، حديث: [ من قرأ سورة الواقعة في كلِّ ليلةٍ لم تصبه فاقةٌ أبداً ] ضعيف، ولكنْ أوَّلاً ليس ضعفه شديداً، ليس أقرب إلى الموضوع.
ثانياً: له أصلٌ عامٌّ ( ما هو الأصل العام؟ ) استحباب قراءة سورٍ معيَّنةٍ في أوقاتٍ معيَّنة، هذا ثابتٌ في سورة الملك وسورة السَّجدة، وسورة الإسراء، وسورة الزُّمر، وسورة الكهف… إذاً هناك أصلٌ عامٌّ، لو لم يكن في السُّنَّة المطهَّرة أيَّ حديثٍ صحيح يخصِّص سورةً معيَّنةً في وقتٍ معيَّن لقلنا: ( هذا يخترع عبادةً لا أصل لها، ليس له أصل عام ) ولكنَّه ثابت تخصيص بعض الأوقات ببعض السُّور.
الشَّرط الثَّالث أيضاً متوافر، لا يوجد نصٌّ يخالفه، لا يوجد حديثٌ صحيحٌ ينهى عن قراءة سورة الواقعة في كلِّ ليلة، أو ما يشبه ذلك.
الشَّرط الرَّابع: نحن لا نعتقد بهذا… أنا إذا قرأت سورة الواقعة في كلِّ ليلة فأنا لا أجزم أنَّني لن يصيبني فقر، فإذا أصابني فقرٌ لا أقول هذا لحديث كاذب، لا لأنَّه من الأصل حديثٌ ضعيفٌ، فلا أعلِّق آمالي عليه، لأنّه ليس مؤكَّداً أنَّ النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام قاله، وإذا رويته أنبِّه إلى ضعفه.
مثالٌ آخر: أحاديث صلاة ما بين المغرب والعشاء، الَّتي تسمِّيها بعض الأحاديث ( صلاة الأوَّابين ) هذه الأحاديث الواردة في هذه الصَّلاة كلُّها ضعيفة، ( كلُّ الأحاديث الواردة في صلاة ما بعد المغرب ضعيفة ) ولكن توافرت فيها الشُّروط فلا بأس بالعمل بها.
الشَّرط الأوَّل: ليست أقرب إلى الموضوع، بل هي ضعيفةٌ فقط.
والشَّرط الثَّاني: لها أصلٌ عامٌّ، وهي الصَّلوات النَّوافل عموماً، وخاصَّةً بعد المغرب هناك أصلٌ هو سنَّة المغرب البعديَّة، فهذا الوقت وقتٌ يشرع فيه التَّنفُّل.
الشَّرط الثَّالث: لم يأتِ حديثٌ ينهى عن الصَّلاة بعد سنَّة المغرب ( ينهى عن الصَّلاة في هذا الوقت ).
الشَّرط الرَّابع: لا نعتقد بمدلولات هذه الأحاديث… من مثل حديث: [ من صلَّى ستَّ ركعاتٍ بعد صلاة المغرب عدلت عبادة اثنتي عشرة سنة ]، وحديث: [ من صلَّى اثنتي عشرة ركعةً بعد صلاة المغرب بُنِيَ له بيتٌ في الجنَّة ] لا نعتقد بمدلولات هذه الأحاديث، وإذا رُويَت هذه الأحاديث ينبغي أن يُنبَّه إلى ضعفها، فلا بأس.
هل توافرت هذه الشَُروط في حديث: [ إذا كانت ليلة النِّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ]؟ وبالتَّحديد الشَّرط الأوَّل على الأقلّ هل وُجِدَ؟ لا لم يوجد، هذا الحديث ضعيفٌ ضعفاً شديداً يقرِّبه إلى الموضوع، الحديث كما قلت لم يروه إلا ابن ماجة، ورواه بن ماجة من طريقٍ واحد، وفي هذا الإسناد رجلٌ يدعى: ( ابن أبي سُبرة ) وهذا الرَّجل مشهودٌ له بأنَّ حديثه مردودٌ، لا يقبل حديثه، قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: ( كذَّابٌ يضع الحديث )…، وقال عنه يحيى بن معين: ( كذَّابٌ يضع الحديث )، يعني لم يقولوا هذا رجلٌ ضعيفٌ… أحياناً يقولون: ضعيف، أحياناً يقولون: مجهول، أحياناً يقولون: حديثه فيه نظر، ولكن في هذه الحالة قالوا: كذَّاب إذاً لم يعد هناك مجالٌ لتصحيح الحديث أو العمل به، لو وُجدت أسانيد أخرى ( طرقٌ أخرى ) تقوِّ الحديث ربّما… ولكن ليس له إلا هذا الإسناد وفيه هذا الرَّجل، وقد قال عنه أئمَّة الجرح والتَّعديل: ( كذّابٌ يضع الحديث ) فجرحوه؛ فَجُرِحَ الإسناد كلُّه وجُرِحَ الحديث لذلك، هذا من حيث الإسناد.
ننظر إلى المتن ( متن هذا الحديث ): [ إذا كانت ليلة النِّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإنَّ ربَّنا تبارك وتعالى ينزل إلى السَّماء الدُّنيا لغروب الشَّمس، فيقول: ألا كذا، ألا من سائل فأعطيه، ألا من مستغفرٍ فأغفر له ] قد ورد حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ رواه البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما: أنَّ هذا النُّزول يكون في كلِّ ليلة، وليس في ليلة النِّصف من شعبان فحسب، ويكون في ثلث اللَّيل الآخِر، أو في الثُّلثين الآخِرين: [ إنَّ الله تعالى ينزل إلى السَّماء الدُّنيا حين يبقى ثلث اللَّيل الآخِر ]، وفي روايةٍ لمسلم [ حين يذهب ثلث اللَّيل الأوَّل، فيقول: ألا من سائلٍ فأعطيه، ألا كذا، ألا كذا… حتى يطلع الفجر ] التَّجلِّي إذاً من الله تعالى على عباده يحدث في كلِّ ليلة تجلياً عظيماً، بنزول الله سبحانه وتعالى نزولاً يليق بجلاله، بنزوله برحمته وإقباله على عباده الزَّائد في كلِّ ليلةٍ في الثُّلث الأخير، أو الثُّلثين الأخيرين من اللَّيل، بناءً عليه لا يُعمل بهذا الحديث لمخالفة متنه لمتون الأحاديث الصَّحيحة، ولضعف سنده، ووجود كذَّابٍ وضَّاعٍ فيه.
فالأحاديث الواردة في نصف شعبان إذاً يبقى منها حديثٌ واحدٌ يبيِّن فضل اللَّيلة دون فضل اليوم، يبيِّن فضل ليلة النِّصف من شعبان ولا ذكر فيه ليوم النِّصف من شعبان، ( وهل هناك فرق؟ ) نعم ففضيلة ليلةٍ معيَّنةٍ لا تقتضي بالضَّرورة فضيلة اليوم الَّذي بعدها، كما أنَّ فضيلة يومٍ معيَّنٍ لا يقتضي بالضَّرورة فضيلة اللَّيلة الَّتي قبله، مثلاًَ ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر مباركةٌ مشهورة الفضل والأهميَّة، ولكنْ هل ورد في أيِّ نصٍّ أو أيَّة روايةٍ ما أنَّ اليوم الَّذي يأتي بعد ليلة القدر له تميُّزٌ عن بقيَّة أيَّام رمضان؟ إذا صادفت ليلة القدر مثلاً ليلة السَّابع والعشرين من رمضان إحياؤها مطلوب [ من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه ] ولكن اليوم السَّابع والعشرون من رمضان في هذه الحالة هل له تميُّزٌ عن بقيَّة الأيَّام؟ ويستحبَّ أن يخُصَّ بعباداتٍ زائدةٍ وقراءة للقرآن وأذكار؟ هل ورد تخصيصٌ لهذا اليوم؟ لا، قد يكون الفضل لليوم واللَّيلة أحياناً كما في يوم الجمعة وليلة الجمعة، ولكنْ هذا ليس مطلقاً، ففضيلة ليلةٍ بعينها لا تقتضي بالضَّرورة فضيلة اليوم الَّذي بعدها، فليلة النِّصف من شعبان ليلةٌ مباركة فاضلةٌ؛ ولكن هذا لا علاقة له بيوم النِّصف من شعبان، فصيام يوم النِّصف من شعبان إذاً لم يرد إلا في حديثٍ ضعيفٍ هو الَّذي ذكرناه، بناءً عليه صيام يوم النِّصف من شعبان ليس سنَّةً ثابتةً عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام.
« طيِّب » ما حكم صيامه إذاً؟ من كان معتاداً صياماً معيَّناً فصادف يوم النِّصف من شعبان فصامه فقد أصاب السُّنَّة، يعني إن كان معتاداً صيام أيَّام البيض الثَّالث عشر والرَّابع عشر والخامس عشر؛ فصام الخامس عشر من شعبان كما يصوم الخامس عشر من أي شهر… هذا جيِّد، إن كان معتاداً صيام يومي الاثنين والخميس فصادف النِّصف من شعبان الاثنين أو الخميس فصامه لهذا السَّبب فهذا جيِّد، إن كان معتاداً صيام داوود فصام الحادي عشر والثَّالث عشر والخامس عشر والسَّابع عشر… فهذا جيِّد.
أمَّا أن يخُصَّ يوم النِّصف من شعبان بتحديد الصِّيام فما حكمه؟ لا نتسرَّع أيضاً ونحكم عليه بالخطأ، نسأله لماذا صمت هذا اليوم؟ فإن قال لأنَّه سنَّة لأنَّه النِّصف من شعبان، نقول: الآن صار في حقِّك بدعة، لأنَّه ليس سنَّة، لأنَّه لم يثبت في حديث صحيح، أمَّا إن قال: والله لا أعلم… اليوم استيقظت وخطر ببالي أن أصوم فصمت، إذاً هو لم يخصِّصه بالفضل دون سائر الأيَّام… نقول له: لا بأس إذاً هو نافلةٌ مطلقةٌ في حقِّك وهذا أمرٌ مستحبّ، بما أنَّك لم تعتقد بأنَّ صيامه سنَّة.
إذاً من صام يوم النِّصف من شعبان بنيَّة سنَّةٍ أخرى فلا بأس، ومن صام النِّصف من شعبان بنيَّة نافلةٍ مطلقة فلا بأس، وأمَّا من صام يوم النِّصف من شعبان معتقداً بأنَّ صيام النِّصف من شعبان سنَّة فهذا مبتدع، عمل بسنَّةٍ لم تثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، هذا بالنِّسبة لصيام اليوم.
أمَّا قيام اللَّيلة فهو مستحبٌّ للفضيلة الواضحة في الحديث الصَّحيح.[ إن الله يطَّلع في ليلة النِّصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ ]
إذاً هذا موسم والمستحبُّ للإنسان أن يتعرَّض للمواسم، وأنْ يتعرَّض للنَّفحات، والقيام له أشكالٌ شتَّى، اللَّيلة تبدأ بغروب الشمس وتنتهي بطلوع الفجر، طبعاً اللَّيلة تختلف حساباتها ما بين الفلك والفقه؛ فبالحسابات الفلكيَّة اللَّيلة وقتها ما بين المغرب وطلوع الشَّمس، وأمَّا بالحسابات الفقهيَّة فاللَّيلة وقتها ما بين المغرب والفجر، وذلك لأنَّ الصيام يكون في النهار، والنهار ما بين الفجر والمغرب، وبالنِّسبة لقيام اللَّيل بالتَّحديد فاللَّيل وقته ما بين العشاء والفجر ووقت قيام اللَّيل ( صلاة قيام اللَّيل ) يبدأ من بعد أداء صلاة العشاء، والَّذي يصلي قيام اللَّيل ما بين المغرب والعشاء هذا لا يسمَّى قيام ليل…
قيام هذه الليلة كيف يكون؟ الحدُّ الأدنى من قيام أيَّة ليلة هو أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة؛ طبعاً هذا سهلٌ والحمد لله، ما من مسلمٍ مستقيمٍ على شرع الله مطبِّقٍ للواجبات الشرعيَّة إلا ويفعل هذا « في مسلم ملتزم بالواجبات ما بيفعل هذا؟! إذا بتعرفولي حدى قولولي… بتعرفوا شي مسلم ملتزم بالواجبات الشَّرعية وما بأدِّي العشاء والفجر في جماعة؟!! ما بظنّ!! قال: شلون؟ إي لأنو العشاء والفجر من الواجبات الشرعيَّة، مو معقول يكون ما بأديون في جماعة… » من الواجبات الشرعية، فأداء صلاة الجماعة كل صلاةٍ في وقتها في المسجد واجب؛ والَّذي لا يؤديها في المسجد تاركٌ لواجب، ومهدَّدٌ بأنْ يحرق هو وبيته.
يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:[ والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطبٍ فيحتطب، ثمَّ آمر بالصَّلاة فيؤذَّن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ النَّاس، ثم أخالف إلى بيوت رجالٍ يصلون في بيوتهم فأحرِّق عليهم بيوتهم ].
إذاً لا أعرف إنساناً ملتزماً بالواجبات الشرعية لا يؤدي العشاء والفجر في جماعة؛ قال: « لكن هوِّ ما بظنّ هيك، هو بظنّ أنُّو عبأدَّي الواجبات، هَيْ زيادة » كثيرون يقولون: « يعني أنا الحمد لله عبأدي كلّ وقت بوقته، بس صلاة الجماعة أثوب… قلو: مو بس أثوب » لها فضيلةٌ وفي تركها تبعةٌ، « هديك » السُّنن والمندوبات إذا لم تتركها أُجِرتَ، وإن تركتها فلا حرج عليك، أمَّا الواجبات إن لم تتركها أجرت كثيراً… أكثر من النوافل وأكثر من المندوبات وإن تركتها أُوخِذْتَ وعُوقِبت… إمَّا في الدنيا وإمَّا في الآخرة…
قال: إذا كانت عليها عقوبة في الدنيا ( كحدِّ من الحدود ) أو وعد الله اللَّعنة أو التَّعذيب في الآخرة على ارتكابها، فهذه من الكبائر، هذه المعصية؛ أمَّا إنْ حرِّمت ولم يأتِ وعيدٌ عليها فهذه ليست من الكبائر ( من الصغائر ).
إذاً ما من مسلم ملتزمٍ بالواجبات يقصِّر في صلاة الجماعة، إلا لعذر، لأنَّه إن قصَّر في صلاة الجماعة كان متشبهاً ( بمن؟ ) بالمنافقين… يقول سيِّدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في وصف زمان الصحابة :[ ولقد رأيتُنا ولا يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النِّفاق ]، لا يتخلَّف عن صلاة الجماعة في ذلك الزَّمن إلا منافقٌ « مو منافق حَيَّا الله منافق؛ مو منافق أيّ منافق؛ منافق صغير؛منافق مخبَّا؛ منافق مو مشهور بيجي على صلاة الجماعة؛ حتى هذا بيجي على صلاة الجماعة؛ المنافقون الكبار اللِّي فايحة ريحتون المفضوحين بين الناس هدول بس ما بيجوا على صلاة الجماعة؛ وربما… مو يعني كل الصَّلوات ما بيجوا عليها بيجوا على بعض الصلوات » فما بالك بمسلمٍ يظنُّ أنَّه قائمٌ بالفرائض و الواجبات يذهب إلى المسجد مرَّةً في الأسبوع!! « مع أنّه لازم يروح على المسجد 35 مرة في الأسبوع على الأقل… على الأقل؟! لسى في أكثر من هيك؟! في إذا بين الظهر والعصر في عندو درس ( مجلس علم ) في المسجد بيروح صاروا 36… المهمّ على الأقل 35 مرَّة » معظم المسلمين يذهبون مرة واحدة!
المنافقون في عهد النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام كانوا يذهبون أكثر من ذلك بكثير « يعني على الأقل 21 مرة ( ليش؟ ) قال: بتركوا الفجر والعشاء في الغالب »، بقيَّة الصَّلوات يصلونها في الجماعة!! حتى المنافقون الكبار يصلون الصلوات الأخرى في الجماعة!! [ أثقل صلاتين على المنافقين الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ] إذاً هذا أمرٌ يسيرٌ، وكلُّ مسلمٍ ينبغي أن يحافظ عليه في كلِّ الأيام.
فإذا صليت العشاء في جماعةٍ والفجر في جماعةٍ أدركت الحدَّ الأدنى من قيام اللَّيل، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: [ من صلَّى العشاء في جماعةٍ فكأنمَّا قام نصف اللَّيل، ومن صلَّى الصبح في جماعة فكأنَّما قام الليل كله ]
رقم اثنان: صلاة قيام اللَّيل، والحدُّ الأدنى من صلاة قيام اللَّيل ركعتان، صلاة قيام اللَّيل أقلُّها ركعتان ولا حدَّ لأكثرها، رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام كان لا يزيد على ثمان ركعات، كما جاء في حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها؛ ولكنْ ثمان ركعات من رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام ليست كثمان ركعات من عندنا، نحن نصلي التراويح عشرين ركعة، الفترة الَّتي تستغرقها الركعات العشرون « يمكن » أقصر من ركعةٍ واحدةٍ من ركعات رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام… صلَّى ذات ليلةٍ فقرأ في الركعة الأولى… « لا تسألوني إيش قرأ في الركعة الثانية؟ لأنو ما بعرف » قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة وسورة النِّساء وسورة آل عمران…! ثمَّ ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثمَّ اعتدل فكان اعتداله نحواً من ركوعه، ثمَّ سجد فكان سجوده نحواً من اعتداله، إلى أن أتمَّ الصَّلاة هكذا، يقرأ مترسِّلاً إذا مرَّ بآية فيها رحمةٌ، سأل الله، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها عذابٌ تعوَّذ، وصلَّى ذات ليلةٍ فقال سيِّدنا حذيفة بن اليمان – وكان يصلِّي خلفه –: [ صليت خلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات ليلةٍ فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت؟ قال هممت أن أجلس وأدعه ]، « بدِّي أقطع صلاتي وأقعد… إجرَيْ ما بقى يتحمَّلو، منو هدا عبيحكي؟ » حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه، يعني صحابي، « صحابي وما بقى يتحمَّل!! ونحن نصلي وراء صحابي ما بنتحمل، شلون لو نصلي وراء رسول الله عليه الصلاة والسَّلام؟! » إذاً ثمان ركعات تصفهن السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: [ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم من اللَّيل، يصلي أربع ركعات، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ ثم يوتر بثلاث ركعات ]… ثمان ركعات قيام الليل، وثلاث ركعات وتر، فالمجموع إحدى عشرة ركعة؛ ولكن هذا لا يعني حدَّاً أقصى لقيام اللَّيل، يُروى أنَّ رابعة العدويَّة كانت تقوم اللَّيل بألف ركعةٍ…! « الله أعلم شلون كانت تلحِّق » في كل ليلةٍ تصلي هذه الصَّلاة، في كلِّ ليلة في كلِّ ليلة، نعم على مدى سنوات حياتها، تقوم اللَّيل بألف ركعة، وكانت تقول: ( إنما قصدي من ذلك أن يتباهى بي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين الأنبياء؛ فيقول: في أمتي امرأةٌ تصلي في اللَّيل ألف ركعة )… اسمعوا ما قالت رابعة العدويَّة يا معشر من أعجبوا بعباداتٍ قليلةٍ فعلوها، ومعلوماتٍ قليلةٍ حفظوها، وظنُّوا أنَّهم صاروا فوق البشر… وأنَّهم سيركلون باب الجنَّة بأقدامهم… ويدخلون دون استئذان الملائكة… ويسبقون الأنبياء والمرسلين… ببعض العبادات القليلة التي فعلوها… اسمعوا ما تقول صاحبة ألف ركعةٍ في كلِّ ليلة… تقول: ( إنْ قبل الله تعالى من كلِّ صلاتي في حياتي ركعتين كنت من النَّاجين )… إن قبل الله ركعتين من كلِّ ما صليت في حياتي فقد فزت… الحمد لله، إذاً هي خائفةٌ أن لا يقبل الله ركعتين! أن لا يقبل الله حتَّى ركعتين! كلَّ هذه الصلاة وليست مطمئنَّةً وليست آمنة! لأنَّها عاقلة والعاقل لا يأمن { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * }
إذاً الحدُّ الأدنى لصلاة قيام اللَّيل ركعتان، وأكثرها لا حدّ له، إن شئت أن تزيد فزّد ما تشاء، والحالة المثاليَّة في قيام الليل ما كان يفعله عليه الصَّلاة والسَّلام، وهذا ما وصفه ربنا تعالى في الآية الأخيرة من سورة المزَّمِّل: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ }
إذاً قيام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الثُّلث، فإنْ زاد فالنِّصف، وإنْ زاد فأقلَّ من الثُّلثين بقليل، يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: [ أحبُّ الصَّلاة إلى الله صلاة داوود، وأحبُّ الصيام إلى الله صيام داوود، كان ينام نصف اللَّيل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ] إذاً سيِّدنا داوود عليه السَّلام صلاته كالآتي: ينام نصف الليل، يعني إذا افترضنا أنَّ اللَّيل تسع ساعات مثلاً، ينام منها أربع ساعات ونصف، ثمَّ يقوم فيصلي ثلاث ساعات، ثمَّ ينام ساعة ونصف إلى آذان الفجر، هذا وقت اللَّيل التقديري هنا إذاً « لاحظ أنو كلمة الليل لها أكثر من مفهوم » في هذا السياق اللَّيل تقديره ما بين العشاء والفجر، عندما يُقال: أفضل أوقات قيام اللَّيل ثلث اللَّيل الآخر… هذا يحسب ما بين العشاء والفجر، وهكذا نصف اللَّيل، « طبعاً إذا قلنا نصف اللَّيل ما في فرق إذا حسبناها ما بين العشاء والفجر أو آذان المغرب وطلوع الشمس النِّصف واحد… لأنو » فترة ما بين المغرب والعشاء تساوي فترة ما بين الفجر وطلوع الشمس بالدقيقة ( الفترة نفسها ) « هي بتقصر هي بتقصر، هي بطول هي بطول » فالنِّصف هو واحد، ولكن الثُّلث يختلف في التقديرين، فتقدير ثلث اللَّيل من أجل قيام اللَّيل يحسب على أساس أنَّ اللَّيلة هي ما بين العشاء وطلوع الفجر، يعني على سبيل المثال إذا كان العشاء يؤذِّن السَّاعة التَّاسعة، والفجر السَّاعة الثَّالثة فاللَّيل ستُّ ساعات، ثلث اللَّيل الآخِر هو الساعتان الأخيرتان ما بين السَّاعة الواحدة والثَّالثة، الثُّلثان الأخيران ما بين الحادية عشر والثَّالثة؛ وهذا هو وقت التَّجلي الإلهيِّ، كما في حديث البخاريِّ ومسلم، في ثلث اللَّيل الآخِر أو في الثُّلثين الأخيرين، وهو وقتٌ ترجى فيه إجابة الدعاء، جاء في تفسير قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السَّلام: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ } : إنَّ سيِّدنا يعقوب قد أخرَّ الاستغفار ولم يستغفر لأولاده في اللَّحظة نفسها لأنَّه أراد أن يستغفر لهم في ثلث اللَّيل الآخِر لأنَّه وقت إجابة الدُّعاء، وهذا حديث صحيح وجاء في حديثٍ آخر أنَّه أخَّر الاستغفار إلى ليلة الجمعة وهذا حديث ضعيف.
إذاً، إذا أردت أن تزيد على الرَّكعتين فقم اللَّيل بما تستطيع، إنْ شئت أنْ تقوم ثلث اللَّيل، أو نصفه، أو ثلثيه، فهذا جيد، وإن شئت أن تقوم الليل كلَّه فلا بأس، النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام لم يكن يقوم اللَّيل كلَّه لأنَّه كان يحبُّ الاعتدال في كلِّ أفعاله، كما نهى عن صيام الدَّهر كلَّه، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:[ من صام الأبد أو من صام الدَّهر فلا صام ولا أفطر ] يعني لا صام وانتفع بأجر الصيام ولا أفطر وتلذَّذ بالطَّعام والشَّراب… وفي حديثٍ آخر: [ لا صام من صام الأبد ] طبعاً لأنَّ الَّذي يصوم الدَّهر سوف يصوم أيامَّاً محرَّمةً هي أيام الأعياد، وإن ترك صيام الأيَّام المحرّمة فهذا ليس حراماً ولكنه أدنى من الكمال؛ الكمال أن يصوم صيام داوود [ أحبُّ الصِّيام إلى الله صيام داوود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ] فصيام الدَّهر يضعف البدن، وتنتفي فيه المجاهدة… اعتاد على هذا الصيام لم يعد هناك مجاهدة، أمَّا الَّذي يصوم يوماً ويفطر يوماً يبقى في مجاهدةٍ دائمة، فالنَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام قد نهى عبد الله بن عمرو بن العاص عن صيام الدَّهر، كما نهاه عن قيام اللَّيل كلَّه، وعلَّمه الاعتدال في الصِّيام والقيام، فإذا رأى الإنسان في نفسه قوَّةً وبأساً أن يقوم اللَّيل بشكلٍ دائمٍ؛ فهذا أمرٌ يقدِّره هو؛ فالإمام أبو حنيفة النُّعمان – رحمه الله – كان يقوم اللَّيل كلَّه، وكان سبب قيام اللَّيل كلِّه حادثة، كان قبلها الإمام أبو حنيفة يقوم نصف اللَّيل: مرَّ بجاريتين فسمع إحداهما تقول لصاحبتها: هذا هو أبو حنيفة الَّذي يقوم اللَّيل كلَّه… فخشي أبو حنيفة – رحمه الله – أن يمدحه الناس بأمرٍ ليس فيه، فمن تلك اللَّيلة صار يقوم اللَّيل كلَّه، لئلا يصير كلام النَّاس حجَّةً عليه، كان يقوم نصف اللَّيل فصار يقوم اللَّيل كلَّه رحمه الله، ورُوِيَ مثل هذا عن الإمام الشَّافعي، روي أنَّه بات ذات ليلةٍ عند الإمام مالك في بدايات تتلمذه على يديه، وكانت ابنة الإمام مالك تراقب هذا الضيف من وراء حجاب فشكت لوالدها أنَّ هذا الضيف قام فصلى الفجر بدون وضوء، فسأله ( طبعاً من ضمن عدَّة مسائل شكته فيها، كانت تراقبه ) قال له الإمام مالك: يا محمَّد صليت الفجر بدون وضوء؟ قال:لم أتوضأ لأنَّني على وضوء، قال:كيف؟ ألم تنم؟ قال: لا، من العشاء للفجر وأنا أفكِّر في مسألةٍ فقهيَّة؛ لذلك لم أنم، لذلك قمت إلى صلاة الفجر متوضئاً، واستنبط بمسألةٍ فقهّيةٍ مسائل ومسائل في هذه المدَّة ما بين العشاء والفجر!! « شوف بقى هالعالم بإيش بفكروا لمَّا ديناموا؟!! ونحن بإيش منفكر لما ننام؟!! هنن إيش آخد عقلون! ونحن إيش آخد عقلنا! » كان يفكر في مسألةٍ فقهيَّةٍ أخذت ليله كلَّه، « ما بقى في حاجة يتوضأ » قام فصلى بدون وضوءٍ جديد « ولكن وضوءه القديم لسى شغَّال » فهذا إذا رأى في نفسه القوَّة، ثم إذا أردت أن تقوم ليلةً بعينها بشكلٍ كاملٍ؛ فهذا لا بأس فيه إذا لم تصر عادةً لك لئلا تضعفك عن عمل النهار، ولكن العادة الدائمة للنَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه: كان يقوم أدّنى من ثلثي اللَّيل، ونصفه، وثلثه، ليعّلمنا أمراً نستطيع جميعاً أن نطبِّقه، قد كان عليه الصَّلاة والسَّلام يشرِّع تشريعاً واقعيَّاً عمليَّاً، وكان يقول: [ لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم بالسِّواك عند كلِّ صلاة ]، وعندما لم يخرج إلى صلاة قيام رمضان ( صلاة التراويح ) جماعةً قال لهم: [ خشيت أن تفرض عليكم ] وعندما كان في سفرٍ والنَّاس صائمون أفطر ليسهِّل على النَّاس مع أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لا يحتاج إلى طعام… ( كيف لا يحتاج إلى طعام؟ ) كان النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام يواصل في الصَّوم، أيّ يصوم اليوم ثمَّ اللَّيل، ثمَّ اليوم، ثمَّ اللَّيل… دون أن يأكل، وكان يقول: [ إنِّي ليست كهيئتكم، إنِّي أبيت عند ربِّي يطعمني ويسقيني ] إذاً هو عليه الصَّلاة والسَّلام مستغنٍ عن الطَّعام لو شاء؛ ولكنَّه أفطر ليسهِّل على النَّاس… هو قد لا يجوع، ولكنْ هؤلاء النَّاس الصَّائمون في الحرِّ الشَّديد وفي السَّفر؛ فهو عليه الصَّلاة والسَّلام يشرِّع لنا أموراً يستطيع أيُّ إنسانٍ ذي همَّةٍ متوسطةٍ وذي قوَّةٍ متوسطةٍ أن يطبِّقها، لهذا كان قيامه معتدلاً وصيامه معتدلاً لأنَّه قدوة، وإلا لو تعلَّق الأمر به شخصيَّاً لاستطاع عليه الصَّلاة والسَّلام أن يفعل أكثر ممَّا يفعل أيُّ إنسانٍ عابد لأنَّ الله تعالى أعطاه تقوى وخشيةً له هي الأكثر [ أما إنِّي أخشاكم لله وأتقاكم له ] وأعطاه قوَّةً بدنيَّةً وهمَّةً وعزيمةً لا توجد عند إنسانٍ آخر…
إذاً في هذه اللَّيلة اغتنم اللَّيل بما تشاء من العبادات، ( قيام الليل بماذا يكون؟ ) أفضل عبادةٍ في اللَّيل هي الصَّلاة قال عليه الصَّلاة والسَّلام:[ أفضل الصَّلاة بعد الفريضة قيام اللَّيل ]، وفي صلاة قيام اللَّيل تكون قريباً إلى ربِّك فأكثر من المناجاة والدُّعاء [ أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد ]، وأطل القيام بتلاوة القرآن، وصلِّ ما تستطيع، وأفضل صلاة الرَّجل صلاته في جوف بيته في جوف اللَّيل، لأنَّ هذا أبعد ما يكون عن الرِّياء، وأبعد ما يكون عن السُّمعة، صلاته في جوف اللَّيل وفي جوف بيته… « مو واحد واقف دي يصلي قيام اللَّيل يوقِّف عند الغرفة اللِّي عند باب البيت… العالم طالعين نازلين… أو على جنب الشّباك مشان يسمِّع الجيران، ويعلِّي صوته الحلو… وهو عبجّود القرآن مشان يقلون: يا جماعة! تفرَّجوا أنا فايق عبصلِّي قيام اللَّيل… » بل يتحرَّى المكان الَّذي لا يراه فيه أحدٌ إلا الله؛ لتكون عبادته خالصةً لوجه الله ولا يخبر أحداً بما يفعل، ولا يُشِع بين النَّاس أنَّه يصّلي قيام الليل، « إي قال: بس حتَّى هو لو ما قال لحدا الله بدُو يفضحه ( شلون الله بدُّو يفضحه؟! ) » قال أهل اللَّيل لهم نورٌ في وجوههم يراه كلُ أحد، ( أهل اللَّيل المواظبون على صلاة قيام اللَّيل ) لهم نورٌ في وجوههم يشعُّ « بطلَّع بيقلَّك ما شاء الله وجه منور إشُّو قصتو؟ ما حدا بيعرف, في أسرار », أسرارٌ يفعلها, أسرارٌ بينه وبين خالقه تطفح على وجهه وتضفي نوراً وبهاءً ووسامةً عليه، « وواحد تاني بتطلع بتلاقي وشُّو غضب إليش؟ مقضي وقتوا بالسجون وبين العصابات والشَّوارع إي من وين ما بدُّو يصير وشُّو غضب!! ».
إذاً واظب على هذه الصَّلاة وخاصَّةً في أوقات الفضائل، رأى سيِّدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مناماً عجيباً جدَّاً, مناماً مرعباً في أوَّله وساراً في آخره, رأى أنَّه كاد يدخل نار جهنَّم لولا أنَّ الله تعالى أرسل من ينقذه، وما إلى ذلك… استيقظ مسروراً فحكى لأخته حفصة رضي الله عنها هذا المنام, فحكت حفصة رضي الله عنها لزوجها سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذا المنام، قالت له: أخي عبد الله بن عمر رأى كذا وكذا, فماذا قال النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام؟ مدح عبد الله بن عمر؛ ولكنَّه استدرك, استدرك خصلةً ناقصةً, فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: [ نِعمَ الرَّجل عبد الله؛ لو كان يقوم اللَّيل ] « ناقصتو هل شغلة, كتير إنسان صالح، إنسان كويِّس… بس ناقصتو خصلة قيام الليل » [ نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل ].
فإذا شعرت برغبتك في تنويع العبادات في هذه اللَّيلة فلا بأس, صلاة قيام الليل وجهٌ من أوجه القيام, تلاوة القرآن في غير الصَّلاة وجه آخر, ولكنْ لا يخفى أنَّ تلاوة القرآن في الصَّلاة أجرها أعظم من تلاوة القرآن خارج الصَّلاة، الذكر أيضاً من قيام الليل, الذِّكر بكلِّ أشكاله, التَّسبيح، والتَّحميد، والتَّهليل، والتَّكبير، والحوقلة… ما إلى ذلك من الأذكار المسنونة، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: [ من قال في يومه سبحان الله وبحمده مئة مرَّة غُفرت خطاياه وإنْ كانت مثل زبد البحر ]، قال عليه الصَّلاة والسَّلام في غراس الجنَّة إنَّها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: [ من قال في اليوم واللَّيلة مئة مرَّة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٍ، كتبت له مئة حسنة, ومحيت عنه مئة سيِّئة, ورفعت له مئة درجة , وكانت له عِدْل عشر رقاب, ولم يأت أحدٌ يوم القيامة بشيءٍ أفضل ممَّا جاء به إلا رجلاً قال مثله أو زاد, وكانت له حرزاً من الشيطان حتى يمسي ]، الصَّلاة على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم, وجهٌ من أوجه الذِّكر, صلِّ على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه اللَّيلة مئة مرَّة, ألف مرَّة, ألفي مرة, ثلاثة آلاف مرَّة…ما تستطيع، وهكذا أوجه العبادة والتَّقرب إلى الله تعالى كثيرة، كلُّها تعدُّ أوجهاً لقيام هذه اللَّيلة المباركة فاغتنمها بقدر ما تستطيع، عسى تتعرضُ لرحمة الله, فإذا اطَّلع الله عليك ودخلت في زمرة من رحمهم غُفِرت ذنوبك.
احرص على أن تكون ممن تغفر ذنوبهم [ إلا لمشركٍ أو مشاحن ], الحمد لله الذي نجَّانا من الشرك, ولكن بقيت الشحناء.
هل بينك وبين مسلم شحناء؟ هل قاطعت أخاً مسلماً؟ هل خاصمت إنساناً لمصلحةٍ دنيويَّة؟
حاول أن تصلح هذا الحال, إن كنت أنت المسيء فبادر بالاعتذار, لأن المسيء تبقى له ذلَّة الإساءة, والمُساءُ إليه تبقى له عزَّة, ويبقى له فضلٌ وأهميَّة، والله جلَّ وعلا جعل له سلطاناً على المسيء يوم القيامة
فبادر بالاعتذار إلى من أسأت إليه قبل أن يأتي يومٌ لا درهم فيه ولا دينار, وإنْ كنت أنت المساءَ إليه؛ فبادر بالاعتذار إلى من أساء إليك, لتحوز الفضل العظيم [ وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام ].
إذا كانت القطيعة بينك وبين أخيك المسلم, قد بدأت منذ يومٍ, قد بدأت يوم أمس فبادر إلى الإصلاح, إن كان قد مضى عليها يومان فأنت على خطرٍ عظيم, إن كان مضى على هذه الخصومة ثلاثة أيَّام والعياذ بالله! دخلت في المعصية [ لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الَّذي يبدأ صاحبه بالسَّلام ] « الواحد بيقول: إشو عمبتحكي إنت؟! إشي يوم ويومين وثلاثة؟! إي نحن صلنا سنين ما منحكي مع بعضنا, من وقت ما ماتت الوالدة – الله يرحمها – واختلفنا بالورتة كل واحد راح بحال سبيلو, من وقت ما خطبت لابني من عند أخوي وما عطاني بنتو حلفت يمين ما بحكي معو لآخر العمر… وحطيتا أمانة برقبة ولادي ما بيحكو مع عمون ولا مع ولاد عمون من بعد ما أموت… وإلا ما بحالٌ ولا بسامحون » والعياذ بالله!! « إيش تسامحون ما تسامحون؟!! تأمرون بغضب الله وبتقلون ما بسامحكون!! قال: صلنا سنين… مو يوم ويومين وثلاثة…» نقول والعياذ بالله من الجريمة الَّتي تقع فيها!! « قال إيش هالجريمة؟ » جريمة القتل! الله أكبر!! جريمة القتل! « إيش إلها علاقة بالمقاطعة؟! » جريمة القتل الكبيرة العظيمة!! الَّتي عقوبتها الخلود في نار جهنَّم، والَّتي قال فيها الله تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * } ؟!! هذه جريمة القتل أنا واقعٌ فيها؟!! نقول له نعم يقول النَّبيّ المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: [ من هجر أخاه سنةً فهو كسفك دمه ]… كأنَّه ذبحه، قتله، سفك دمه، وأزهق روحه، والعياذ بالله!! « قال سنة! سنة واحدة! شلون اللِّي صرلو عشر سنين؟ عشرين سنة؟… شلون اللِّي ورتان » الشَّحناء والخصومة عن والده؟ والعياذ بالله! بادر إلى الإصلاح تمرُّ عليك مواسم مغفرةٍ وأنت محرومٌ منها، تمرُّ عليك مناسبات… الله تعالى يقبل عليك يقول لك أريد أن أرحمك ولكن هناك عائق تضعه بينك وبين رحمتي، أزل هذا العائق وستجد رحمتي تصل إليك… وأنت تصر على إبقاء هذا العائق!! الله يقبل عليك ويبسط يده باللَّيل ليتوب مسيءُ النَّهار ويبسط يده بالنَّهار ليتوب مسيء اللَّيل… وأنت مصرٌّ على اجتناب رحمة الله!! مصرٌّ على الهروب من مغفرة الله!! الله يقبل عليك ويقول: [ ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من سائل فأعطيه ] فقط تخلى عن الشَّحناء تخلَّى عن القطيعة تخلَّى عن الخصومة… وأنت تصرُّ على أن تبقى على هذه الخصومة!! في يوم الاثنين موسم مغفرة يحُرَم منه المتخاصمون، في يوم الخميس موسم مغفرة يحرم منه المتخاصمون… يقول النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام: [ يغفر الله لعباده يومي الاثنين والخميس، إلا رجلاً بينه وبين أخيه شحناء… فإنَّ الله يقول لملائكته: أخِّروا هذين حتَّى يصطلحا ] لا تضعوا هذين الرَّجلين في سجلِّ المرحومين، ضعوهما جانباً، تأجيل، تأجيل تأجيل… « لأنُّو بالإضبارة في ورقة ناقصة، إضبارتو جاهزة كويسة، هو مؤمن مسلم بصلي الصلوات الخمس بيصوم رمضان ولكن في ورقة ناقصة » لأنَّه بينه وبين أخيه شحناء، فإنَّ الله يقول لملائكته: [ أخِّروا هذين حتَّى يصطلحا، أخِّروا هذين حتَّى يصطلحا ].
في ليلة النصف من شعبان، في ليلة القدر، في شهر رمضان… كل هذه مواسم مغفرة، والمتخاصمون محرومون منها، فإنْ كنت المبادر بالإساءة فكن أنت المبادر بالإصلاح والاعتذار، وإن لم تكن أنت المبادر؛ فإن كنت حريصاً على رحمة الله ومغفرته فبادر أنت بالإصلاح، ليكون لك الفضل العظيم عند الله تعالى.
هناك قانون وهناك ما وراء القانون, القانون يقول هناك حقٌّ وباطل ( العدل ) ولكن ما هو فوق القانون « في شي فوق القانون؟ نعم في شي أحسن من العدل؟ نعم الفضل, الفضل فوق العدل… قال أنت عبتسوق في السيارة لازم فلان يعطيك طريق، هيك مكتوب أفضلية السير إلك، هذا العدل بس أنت إذا حبِّيت تعطيه طريق في مشكلة؟ غلط يعني؟ بحاسبك القانون لأنُّو عطيتو طريق؟ لأ هدا الفضل… أنت خالفت القانون، نعم خالفتو » نحو الأفضل ليس نحو الأسوأ، عندما نمشي في الطريق… هناك قانون من يبدأ الآخر بالسَّلام: يسلِّم الماشي على القاعد، والرَّاكب على الماشي، والقليل على الكثير، والصَّغير على الكبير… إن أنت كنت راكباً؛ وهناك واحدٌ ماشٍ ولم تبدأه بالسلام فأنت مخالف للقانون تارك للواجب، ولكن إن صار العكس أنت تمشي وهو يركب فأنت ابتدأته بالسلام فخالفت القانون نحو الأفضل، سئل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ( إذاً في هذا الحديث أوضح العدل الحقّ ) « مين حقُّو يكون مبدوء بالسلام ومين واجبو يكون البادئ بالسلام » ولكن في حديث آخر تجاوز هذا الحقَّ والواجب، وتكلَّم عن الفضل سُئِل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: [ الرَّجلان يلتقيان أيُّهما يبدأ صاحبه بالسَّلام؟ فقال: أولاهما بالله تعالى ] الأولى برحمة الله والأقرب إلى فضل الله هو الَّذي يبدأ بالسَّلام [ الرَّجلان يلتقيان أيُّهما يبدأ صاحبه بالسَّلام؟ فقال: أولاهما بالله تعالى ].
فبادر إلى الإصلاح، واعلم أنَّ الَّذي يبادر إلى الإصلاح ويسامح ويغفر الله تعالى يغفر له، كما يعامل العبد العبيد يعامله المعبود سبحانه وتعالى، مزرعة تزرع عند النَّاس وتحصد عند الله تعالى، يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: [ الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السَّماء ]، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: [ ما أكرم شابٌّ شيخاً لسنِّه إلا قيَّض الله له من يكرمه عند سنِّه ]، الله يكافئه، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: [ برُّوا آبائكم تبرَّكم أبناءكم ] الله يردُّ لك ذلك، من خلال العبد في الدنيا، أو يوم القيامة، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: [ كان رجل يداين الناس ] « مو يعني بدِّين بالفائدة، متل هلق… هلق بس قلنا: يداين النَّاس يعني بالفائدة، سمعت عن واحد تاجر ما بيشتغل شغلة طاول، غير عندو صندوق، أشُّو الصندوق فيو؟ سندات صندوق سندات… أولادُه قالوا لو بدنا نشتغل نفتحلنا مشروع… مشروع صناعي، قلن: إيش بدكون من المشاريع؟! هي الشَّغلة أربح من كل هل الشغلات… » والعياذ بالله!! الدَّين بالرِّبا « هو من وجهة نظره… قلن: خدوا إشقد بدكون خدوا ميتين مليون، تركولي أنا ميت مليون، وتاعوا بعد سنة لأشوف مين صار مصراتو أكتر… هدا حاسبة لبعد سنة مالو حاسبة لبعد 20-30 سنة » { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } ، لا هذا الرَّجل كان يداين النَّاس ابتغاء الأجر والثواب قال: [ وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، فلقي الله فتجاوز عنه ]، وفي رواية:[ قال الله تعالى له: أنا أولى منك بالكرم ] « عبتتشاطر عليَّ؟ عبتتكرَّم على عبادي؟ مابترك عليّ وحدة أنا، بدِّي أعطيك اللَّي عطيتو وزيادة » [ قال فلقي الله فتجاوز عنه ].
إذاً إذا أساء إنسانٌ إليك فسامحته؛ فالله يسامحك، منْ منَّا لا يحتاج إلى مسامحة الله؟ « قال بحالة واحدة لا نحتاج إلى مسامحة الله… إذا ما من أخطئ، يللِّي ما بأخطئ إيش بدُّو بمسامحة الله؟ هو بقلو: يا ربّ خود يللِّي إلك وعطيني يللِّي إلي » والعياذ بالله!! فإذا كان هكذا الأمر « ما حدا بدخل على الجنَّة، بتَّم فاضية » [ من نُوقِش الحساب عُذِّب ]، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: [ لن يدخل أحدٌ منكم الجنَّة بعمله، قالوا: حتَّى أنت يا رسول الله؟ ] « نحن فهمنا أعمالنا فيها تقصير… بس أنت ما في تقصير طاول ما شاء الله » [ قال: حتَّى أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ] « حتَّى أنا إذا بدِّي أدخل الجنَّة بدخلها بمسامحة الله »!!
فإذا أردنا أن يسامحنا الله؛ فعلينا أن يسامح بعضنا بعضا، « أما إذا بدك توقِّف لقرايبك ولصاحبك على الدقرة والنقرة حكى معي هيك ما بسامحو، عمل معي هيك، كذا… إي انتظر أنو ربّنا سبحانه وتعالى يعاملك » بالطريقة نفسها يوم القيامة والعياذ بالله « قال: طيِّب! وإذا سامحته إينهي أكسبلي؟ واحد بقول أنا ما بدي أسامحو مشان آخود بحقِّي يوم القيامة… منقلُّو ليش الله سبحانه وتعالى يعني ما بيعرف إينهو الأحسن؟ » بما أنَّه رغَّبك في مسامحته في الدنيا؛ فلا بدَّ أنَّ هذا أعظم ممَّا تأخذه من حسناته يوم القيامة، يعني إمَّا أن تأخذ حقَّك « في عندك طريقتين » إمَّا أنْ تأخذ حقِّك على قدر الذَّنب الَّذي أخطئه معك بحسناته، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: [ أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمَّتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وسفك دم، هذا وضرب هذا، وأكل مال هذا… فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتَّى إذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من سيِّئاتهم ثمَّ طرحت عليه، ثمَّ طرح في النَّار ] « طيِّب » كم يأخذ صاحب الحقِّ هنا؟ « هذا اللِّي شتمك إشقد بتاخد منُّو يوم القيامة؟ بتاخد على قد الشتيمة، ومِنْ مين؟ منُّو ( من حسناتو ) اللِّي ما عندو حسنات بتعطيه من سيئاتك، قال: وإذا ما عندي سيئات؟؟ منقلُّو إي لا تغتر بحالك… مين ما عندو سيئات؟! قال ولكن لو سامحت هذا الإنسان بتاخدها هي بتقبضها من الله سبحانه وتعالى، صار أنت وكَّلت ربّنا سبحانه وتعالى، بتقول: يا ربّ أنا ما بدِّي من حسناتو أيش بدِّي بحسناتو؟ الله يهنيه فيون، بس حقِّي بدِّي آخدو منك، لأنُّو أنا سامتحو، بيقلك: أي أبشر لكان… » تأخذها أضعافاً مضاعفة، يوم القيامة قال: الله جلَّ وعلا يحب عبداً من عباده « بس في إنسان ماو مأخطئ؟ ما في إنسان ماو مأخطئ، فهذا العبد أساء لبعض الناس، ولكن الله بيحبو هو إنسان صالح، فالله بيقول: لصاحب الحق »: ألا تسامحه؟ « يعني بلا ما تاخذلو حسناتو، هدا إيش بيخطر ببالو يعني بدِّي أسامحو بدي أروِّح حسناتو عالفاضي…لأ بدِّي ياهون، بستفيد منون بترتفع درجتي شوي بالجنَّة، بيقلو: يا رب ما بسامح، بدِّي حسناتي منُّو بيقلُّو ربّنا سبحانه وتعالى: سامحو وأنا بعوضك… بقلُّو: يا رب بدِّي حسناتي منُّو » قال: [ فيفتح باب الجنَّة؛ فيرى داخل الجنَّة قصراً عظيماً جدَّاً، فيقول يا ربّ لمن هذا القصر؟ يقول: هذا لمن يصفح عن أخيه المسلم ] « بتريد؟ فيقول: يا رب سامحته خلص ما بقى بدي منو شي » فإمَّا أن تأخذ حقَّك ممَّن أساء إليك فتأخذه بقدره حسناتٍ، « هذا إذا ما أخذتو بالدنيا، إذا أخذتو بالدُّنيا خلص راح، قال أنا ما بيهنالي عيش لحتّى اشفي غليلي منُّو… منقلُّو: بس شفيت غليلك منو أنت اللِّي أخدتو رجعتو يمكن وزيادة، يمكن هو ضربك ضربة أنت ضربتو تنتين… » كنت مظلوماً فصرت ظالماً، وإمَّا أن تأخذه في الدُّنيا منه فتأخذه حسنات بقدر الذنب ( بقدر الخطأ ) وإمَّا أن تسامحه فلا تأخذ في الدنيا ولا تأخذ في الآخرة من حسناته، ولكنك ستقبض من الله تعالى، من هنا كان للبادئ بالاعتذار فضل عظيم عند الله، حتَّى ولو كان هو المساء إليه.
وقعت خصومة بين ولدي سيِّدنا عليِّ بن أبي طالبٍ كرم الله وجهه الحسن بن عليِّ ابن السيدة فاطمة رضي الله عنها، ومحمَّد ابن الحنفية، الخصام أدَّى إلى قطيعة « قال إي هدول صالحين؟!..إي بتحدث، نحن ما عمنقول أنُّو الصَّالحين ما بيتقيتلوا، والصَّالحين ما بيسيئ بعضون لبعض، لأ العبرة بالنتائج » الصالحون ليسوا معصومين من الذنب، الصَّالحون يذنبون، والفاسدون يذنبون، « قال ولكن بعد الذَّنب الصَّالح إيش بيعمل؟ والفاسد إيش بيعمل؟ » الفاسد بعد الذَّنب يتمرَّد، وبعد الذَّنب يصرّ، وبعد الذَّنب يبحث عن تبريرات للذَّنب، أمَّا الصَّالح فيذنب؛ ولكنَّه بعد الذَّنب يندم، وبعد الذَّنب يقلع، وبعد الذَّنب تنكسر نفسه، « إشقد في فرق معناتها بين الصالح والفاسد؟! تنيناتون بيأذنبوا بس سبحان الله!! » الصَّالحون ذنوبهم أشبه بالطَّاعات، والفاسدون طاعاتهم أشبه بالمعاصي « عبطيع الله سبحانه وتعالى، ونفسو معجبة عبيقول أنا شغلة كبيرة!! شوف ما أكوسني!! شوف ما أحسن عبادتي!! » طاعاتنا معاصي، وهم معاصيهم طاعات سبحان الله!! نحن نتخاصم وأولئك يتخاصمون… « إي قال: بس نحن الخصومة كلّ مالها بتجر، بيدخل الشيطان أكتر وأكتر… » أمَّا هم فيتخاصمون، بعد الخصومة يُطرَد الشَّيطان سريعاً، « قال من قبل كان الشَّيطان على الباب، فدخل فهنن حسُّوا عليه أنُّو دخل طالعوه… مو بس طالعوه… قلَّعوه بعيد كتير كتير عن البيت، يعني بحيث الخصومة ما عاد ممكن تتكرر مرَّة تانية » حدثت الخصومة بينهما، وحدثت القطيعة، انظر كيف صار الإصلاح: محمَّد ابن الحنفية أراد أن يذهب إلى الحسن لأنَّه يعرف قدره ويعرف فضله، الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة، الحسن والحسين سبطا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وريحانتاه من الدنيا، أراد أن يذهب فيعتذر، ولكن ما الذي منعه من ذلك؟ أمرٌ لا يخطر ببال، الذي منعه من ذلك أنَّه خاف إنْ ذهب إلى الحسن أن يصير له نقطة على الحسن، يصير له أفضلية على الحسن، أليس الذي يبدأ صاحبه بالسَّلام هو الأفضل؟ « أهوِّ بيخجل على حالو ما بيستجري إنو يعمل شغلة ويصير فيها أحسن من الحسن، في شي أحسن من الحسن؟! هو اسمو الحسن! » لذلك ماذا صنع محمَّد ابن الحنفية؟ كتب رسالةً وأرسلها إلى الحسن، ماذا قال في هذه الرسالة؟ قال له: ( يا أخي يا حسن قد بلغ الخصام بيننا ما تعلم، وإني والله أرجوا أن آتيَ إليك معتذراً، وأطلب منك المسامحة والصَّفح؛ ولكن أخشى إنْ أتيت واعتذرت أن يصير ليَ الفضل عليك، ومن أنا منك؟! ومن لي بأمٍّ مثل أمك؟! وأمُّك سيِّدة نساء المسلمين، ومن لي بجدِّ كجدِّك؟! وجدُّك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن لي بأخوالٍ كأخوالك؟! وأخوالك القاسم وإبراهيم وعبد الله، ومن لي بخالات مثل خالاتك؟! وخالاتك زينب ورقية وأم كلثوم، وأنت سيِّد شباب أهل الجنَّة، لذلك يا أخي يا حسن تعالَ إليَّ معتذراً، وأنا أقبل اعتذارك حتَّى يبقى لك الفضل علي )، « عبستحي عبخجل أجي لأنُّو شلون بدِّي أجي وأعمل حالي إنُّو صرت أحسن منك؟!! ما بسترضي على حالي، أنت تعا لعندي، وأنت اعتذر، لأنُّو ما بقدر أتجاوز مستواي… ,أيش هالمفاهيم؟؟!! شلون منفكر وشلون بيفكروا؟!! مقلوبة مفاهيمنا نحن ولا هنن مفاهيمون مقلوبة؟! نحن منطلع عليوهن منقول: بيفكروا بالمقلوب… الحقيقة نحن منفكر بالمقلوب، هدوليك عالسِّيوي نحن بالمقلوب… » قال: ( تعالَ واعتذر إليَّ، وأنا أقبل اعتذارك حتَّى يبقى لك الفضل عليَّ ) هكذا كانت تعالج الإساءات.
سيِّدنا أبو ذرّ أخطأ خطأً صغيراً مع سيِّدنا بلال… عيَّره أثناء خصومةٍ صغيرةٍ، عيَّره بأمِّه وبلونه الأسود، فقال له: يا ابن السوداء… « يعني لا حكى كلام بذيء، ولا سبّها ولا شتمها شتائم خطيرة » قال: يا ابن السوداء، فقال النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا سمع بالقصَّة: [ أعيَّرته بأمِّه يا أبا ذرّ؟! إنَّك امرؤٌ فيك جاهلية…] « طيِّب، نحن هلق واحد بيحكي كلام وبيساوي أفعال اليهود ما بيعملوها بالإسلام… منجي منعطي محاضرات طويلة منفهموا أنُّو هوُّ أفعالو شنيعة، محاضرة طويلة بتم ساعات بتدخل من هون بتطلع من هون… هدا إذا دخل » أبو ذرّ كلمات قليلات انظر ماذا أحدثت « يعني البعض بتصير بيناتون خصومة، بعد النصيحة الشَّديدة، بيقول منفرطا بس ما بترجع الأمور متل قبل، من هلَّق عبقلَّك… إذا بترضى بروح بصيلحو… عبتشرط عليّ كمان؟ أنا إيش بدِّي؟ إيش بدي غير تنصلح الأمور… بقول بروح يعني هي من هلأ ورايح إذا شفتو بالطريق بسلِّم عليه بس زيارات وروحات وجيَّات خلص أبداً بحياتي ما بقى بدوس بيتو… منقلو إيش هالمصالحة هي؟! إيش هالمصالحة المنقوصة المبتورة؟! شوف شلون كانت مصالحة سيِّدنا أبو ذرّ، بس سمع هالكم كلمة »: [ أعيرته بأمِّه يا أبا ذرّ إنَّك امرؤٌ فيك جاهلية ] ذهب سيِّدنا أبو ذرّ إلى سيِّدنا بلال ليعتذر… وما أعجب هذا الاعتذار… « لا قلُّو: آسف، ولا قلُّو: سامحني ولا قلُّو: عدم المؤاخذة، وما قلُّو ليكون زعلت ها؟… لأ » استلقى على الأرض ووضع خده هكذا، وقال: والله يا بلال لا أرفع خدِّي عن الأرض حتى تطأ بقدمك السوداء خديَ الأبيض… « قال بجوز هيك الذُّل؟ { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } ليش عبذل حالوا؟ منقلو نعم الذُّل جيِّد، قال: الذُّل ألو محلُّو والعزّ ألو محلُّو » { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } ضد الكافرين بس المؤمنين مع المؤمنين ما في عزّ » قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ } « هدول قوم افتراضيين، القوم المثاليين اللِّي الله عبيضرب لنا المثل بهم، إذا نحن ما منّا نكون أهل ربّنا بودِّينا وبجيب ناس غيرنا… طيِّب معناتها لازم نتعلم منُّون هدول شلون صفاتون مشان نحاول نتشبه فيون أيش هي صفاتون؟{ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } هذه هي الصِّفات، قال يمدح الله الذُّل، قال وإن لم يكونوا أذِّلَّة على المؤمنين؛ فلن يستطيعوا أن يصيروا أعزَّةً على الكافرين، لذلك قدَّم الله الذُّل على العزِّ « قال إذا بدِّنا ندخل نحن حرب مع الكفَّار، ونحن كلّ واحد منَّا نفسيَّة، مو معترف بهاد، وشيف حالو أحسن من كل هالعالم… شلون بدنا نقدر ننتصر على الكفار؟! مستحيل… » سوف يستطيع الكفَّار أن يجدوا سبيلاً للتَّفريق بيننا لذلك البداية أذلَّةٍ على المؤمنين… « بعد ما نصير أذلِّة على بعضنا تماماً منقدر نصير أعزِّة على الكافرين » وهكذا كان الصَّحابة رضوان الله عليهم، ذلَّت نفوسهم تُجاه إخوانهم؛ فأعزَّهم الله تُجاه أعدائهم… هكذا يمكن أن تصلح الشحناء والبغضاء والقطيعة، وبهذا نصير أهلاً لتلقي رحمات الله ومغفرته، ونفحاته في المواسم، وهذه اللَّيلة من المواسم؛ فلنغتنمها ولا نترك في قلوبنا غلاً لإنسان.
« قال: هي منقدر نحاول نعملها، بس ننعمل غيرها كمان… » نحاول ألَّا نترك في قلب إنسانٍ غلَّاً علينا… « قال هي صعبة! أنا بدِّي أروح على كلّ واحد بواحدو أقلُّو: ليكون أنت زعلان مني؟! » حاول ولو لم تسيء إليهم، فحاول أن تستسمح من أساء إليك فضلاً عمَّن أسأت إليه، نسأل الله أن يجعلنا من جملة المتحابِّين فيه، وأن يجعلنا ممَّن يصفحون، ويغفرون ولا يحملون في قلوبهم غلَّاً لمؤمن، ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الَّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلَّاً للَّذين آمنوا ربَّنا إنَّك رؤوف رحيم، اللَّهمَّ كما جمعتنا على ما يرضيك حل بيننا وبين معاصيك، واجعلنا من جملة المتحابِّين فيك، واجعلنا من جملة المتباذلين فيك، واجعلنا من جملة المتناصحين فيك، اللَّهمَّ طهِّر قلوبنا من النِّفاق، وأعمالنا من الرِّياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، اللَّهمَّ اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقاً معصوماً، ولا تدع فينا شقيَّاً ولا محروماً، اللَّهمَّ إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنَّا، اللَّهمَّ اجزِ عنَّا نبينا محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم خير ما جزيت نبيَّاً عن أمَّته، واجزِ عنَّا مشايخنا ومن علمنا ما أنت أهله يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ ردَّنا إلى دينك ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ إنَّا نسألك المعافاة في الدِّين والدُّنيا والآخرة، اللَّهمَّ ما قصَّرنا في حقِّك فاغفره لنا، اللَّهمَّ وما قصَّرنا في حقِّ عبادك فتحمَّله عنَّا ورضِّهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين، اللَّهمَّ ردَّنا إلى دينك ردَّاً جميلاً، اللَّهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاك، وصلِّ اللَّهمَّ على سيِّدنا محمِّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم.

الملفات الصوتية
الملف الأول
الملفات النصية
الملف الأول145 KB
أرسل هذه الصفحة إلى صديق
اسمك
بريدك الإلكتروني
بريد صديقك
رسالة مختصرة


المواضيع المختارة
مختارات

[حسن الظن بالله]

حسن الظن بالله يعني أن يعمل العبد عملاً صالحاً ثم يرجو قبوله من الله تعالى ، وأن يتوب العبد إلى الله تعالى من ذنب عمله ثم يرجو قبول الله تعالى لتوبته ، حسن الظن بالله هو ذاك الظن الجميل الذي يأتي بعد الفعل الجميل.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى.}
قال سبحانه في الحديث القدسي :{ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني } أنا عند ظن عبدي بي فإذا ظننت أنه يرحمك وأخذت بأسباب الرحمة فسوف يرحمك ، وأما إن يئست من رحمته وقصرت في طلب أسبابها فإنه لن يعطيك هذه الرحمة لأنك حكمت على نفسك والله تعالى سيحكم عليك بما حكمت أنت على نفسك .